للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ يُلْزِمُ عَلَيْهِ اتِّصَالَ السُّورَتَيْنِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ ; لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ اتِّصَالَهُمَا فِي الْمَعْنَى، فَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مُتَّصِلَةٌ سُوَرُهُ مَعْنًى.

أَلَّا تَرَى إِلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِيهَا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [١ \ ٦] ، فَجَاءَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [٢ \ ٢] ، وَبَعْدَهَا ذَكَرَ أَوْصَافَهُمْ وَقَالَ: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [٢ \ ٥] ، فَأَيُّ ارْتِبَاطٍ أَقْوَى مِنْ هَذَا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: الْهُدَى الَّذِي تَطْلُبُونَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَهُوَ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنْ أَرَادَ اتِّصَالًا حَسًا بِعَدَمِ الْبَسْمَلَةِ، فَنَظِيرُهَا سُورَةُ بَرَاءَةٌ مَعَ الْأَنْفَالِ، وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ إِجْمَاعَ الْقُرَّاءِ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَهُمَا، اللَّهُمَّ إِلَّا مُصْحَفَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَجْهٌ أَرْجَحَ مِنْ وَجْهٍ.

وَلِذَا لَمْ يُرَجِّحْ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، سِوَى ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَصِحَّةُ الْوَجْهَيْنِ أَقْوَى وَأَعَمُّ فِي الِامْتِنَانِ وَتَعْدَادِ النِّعَمِ.

وَالْإِيلَافُ: قِيلَ مِنَ التَّأْلِيفِ، إِذْ كَانُوا فِي رِحْلَتَيْهِمْ يَأْلَفُونَ الْمُلُوكَ فِي الشَّامِ وَالْيَمَنِ، أَوْ كَانُوا هُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مُؤَلَّفِينَ وَمُجَمَّعِينَ، وَهُوَ امْتِنَانٌ عَلَيْهِمْ بِهَذَا التَّجَمُّعِ وَالتَّأَلُّفِ، وَلَوْ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ لَفَرَّقَهُمْ وَشَتَّتَهُمْ، وَأَنْشَدُوا:

أَبُونَا قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْر

وَقِيلَ: مِنَ الْإِلْفِ وَالتَّعَوُّدِ، أَيْ: أَلِفُوا الرِّحْلَتَيْنِ.

فَلِلْإِبْقَاءِ لَهُمْ عَلَى مَا أَلِفُوهُ.

وَقُرَيْشٌ قَالَ أَبُو حَيَّانَ: عَلَمٌ عَلَى الْقَبِيلَةِ.

وَقِيلَ: أَصْلُهَا مِنَ النَّقْرَشِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ أَوِ التَّكَسُّبُ وَالْجَمْعُ.

وَقِيلَ: مِنْ دَابَّةِ الْبَحْرِ الْمُسَمَّاةِ بِالْقِرْشِ وَهِيَ أَخْطَرُ حَيَوَانَاتِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَابِهِ لِمُعَاوِيَةَ.

وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْـ ... ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَاُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>