للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَأْكُلُ الرَّثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا ... تَتْرُكُ فِيهَا لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشًا

هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ ... يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا

وَلَهُمْ آخِرُ الزَّمَانِ نَبِيٌّ ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، هُوَ تَفْسِيرٌ «لِإِيلَافِ» سَوَاءٌ عَلَى مَا كَانُوا يُؤَالِفُونَ بَيْنَ الْمُلُوكِ فِي تِلْكَ الرَّحَلَاتِ، أَوْ مَا كَانُوا يَأْلَفُونَهُ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ.

الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ: الْبَيْتُ الْحَرَامُ، كَمَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.

بِمَثَابَةِ التَّعْلِيلِ لِمُوجِبِ أَمْرِهِمْ بِالْعِبَادَةِ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي هَيَّأَ لَهُمْ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا سَبَبًا فِي تِلْكَ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مِنْ وَاجِبِهِمْ أَنْ يَشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ وَيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ.

وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [٢٩ \ ٦٧] وَسَاقَ النُّصُوصَ بِهَذَا الْمَعْنَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

تَنْبِيهٌ

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ، رُبِطَ بَيْنَ النِّعْمَةِ وَمُوجِبِهَا، كَالرَّبْطِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ.

فَفِيهِ بَيَانٌ لِمُوجِبِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَحَقِّهِ فِي ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ خَاصًّا بِقُرَيْشٍ.

وَهَذَا الْحَقُّ قَرَّرَهُ أَوَّلُ لَفْظٍ فِي الْقُرْآنِ، وَأَوَّلُ نِدَاءٍ فِي الْمُصْحَفِ، فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [١ \ ٢] ، كَأَنَّهُ يَقُولُ هُوَ سُبْحَانَهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ، لِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَيْ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَرَاحِمُهُمْ إِلَى آخِرِهِ.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>