للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [٩ \ ١٧، ١٨] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً.

الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ بِالصَّفِيرِ وَالتَّصْفِيقِ التَّخْلِيطُ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النَّاسُ الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [٤١ \ ٢٦] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَوَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ حَسْبَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ، سَوَاءً أَوْجَفُوا عَلَيْهِ الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ أَوْ لَا، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي سُورَةِ «الْحَشْرِ» أَنَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَافِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ الْخَيْلَ وَالرِّكَابَ، أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَمَصَارِفُهُ الَّتِي بَيَّنَ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِيهَا كَمَصَارِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي فَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ الْآيَةَ [٦] ، ثُمَّ بَيَّنَ شُمُولَ الْحُكْمِ لِكُلِّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ جَمِيعِ الْقُرَى بِقَوْلِهِ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ [٧] .

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ: فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَقَالُوا: الْفَيْءُ: هُوَ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ انْتِزَاعِهِ مِنْهُمْ بِالْقَهْرِ، كَفَيْءِ بَنِي النَّضِيرِ الَّذِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَكَّنُوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَشَاءُ لِشِدَّةِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَرَضِيَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْتَحِلُوا بِمَا يَحْمِلُونَ عَلَى الْإِبِلِ غَيْرَ السِّلَاحِ، وَأَمَّا الْغَنِيمَةُ: فَهِيَ مَا انْتَزَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْكَفَّارِ بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ الْآيَةَ، مَعَ قَوْلِهِ: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ الْآيَةَ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ كَمَا تَرَى، وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ عَقَدَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي نَظْمِهِ لِلْمَغَازِي بِقَوْلِهِ فِي غَزْوَةِ بَنِيَ النَّضِيرِ: [الرَّجَزُ]

وَفَيْئُهُمْ وَالْفَيْءُ فِي الْأَنْفَالِ ... مَا لَمْ يَكُنْ أُخِذَ عَنْ قِتَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>