للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِائِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ \ ١] وَوَضَعْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟

فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا» ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا» ، وَكَانَتِ «الْأَنْفَالُ» مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَ «بَرَاءَةٌ» مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ \ ١] ، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ. اهـ.

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِ الْقُرْآنِ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا: أَنَّ تَرْتِيبَ سُوَرِهِ بِتَوْقِيفٍ أَيْضًا، فِيمَا عَدَا سُورَةِ «بَرَاءَةٌ» ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ: أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ «بَرَاءَةٌ» شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ «الْأَنْفَالِ» فَأَلْحَقُوهَا بِهَا، فَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ يَدْخُلُ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ الْمُعَاهَدِينَ، وَأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَشْهُرِ الْإِمْهَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [٩ \ ٢] ، لَا عَهْدَ لِكَافِرٍ.

وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالَّذِي يُبَيِّنُهُ الْقُرْآنُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، هُوَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَصْحَابِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُوَقَّتَةِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ الْمُوَقَّتِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَتَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَمَّا أَصْحَابُ الْعُهُودِ الْمُوَقَّتَةِ الْبَاقِي مِنْ مُدَّتِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ إِتْمَامُ مُدَّتِهِمْ، وَدَلِيلُهُ الْمُبَيِّنُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>