للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ الْآيَةَ [١٥ \ ١٢] ، وَقَوْلِهِ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ الْآيَةَ [٧٤ \ ٤٢] ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَدِّدِ ... وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ

وَمِنَ الرُّبَاعِيَّةِ قَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ رُبْعٍ الْهُذَلِيِّ:

حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قَتَائِدَةٍ ... شَلًّا كَمَا تَطْرُدُ الْجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَصْلَ السَّلْكِ الَّذِي هُوَ الْخَيْطُ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَذِبْحٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ، وَقِتْلٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ ; لِأَنَّ الْخَيْطَ يَسْلُكُ أَيْ يَدْخُلُ فِي الْخَرَزِ لِيُنَظِّمَهُ، كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ:

عَيْنٌ تَأَوَّبَهَا مِنْ شَجْوِهَا أَرَقٌ ... فَالْمَاءُ يَغْمُرُهَا طَوْرًا وَيَنْحَدِرُ

كَأَنَّهُ نَظْمُ دُرٍّ عِنْدَ نَاظِمَةٍ ... تَقَطَّعَ السِّلْكُ مِنْهُ فَهُوَ مُنْتَثِرُ

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الْآيَةَ، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ أَمَرَ نُوحًا أَنْ يَحْمِلَ فِي السَّفِينَةِ أَهْلَهُ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، أَيْ سَبَقَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ شَقِىٌّ، وَأَنَّهُ هَالِكٌ مَعَ الْكَافِرِينَ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الَّذِي سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ ابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ.

قَالَ فِي ابْنِهِ الَّذِي سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ [١١ \ ٤٢] إِلَى قَوْلِهِ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [١١ \ ٤٣] ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ الْآيَةَ [١١ \ ٤٦] ، وَقَالَ فِي امْرَأَتِهِ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ إِلَى قَوْلِهِ مَعَ الدَّاخِلِينَ [٦٦ \ ٠١] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لِغَفُورٌ رَحِيمٌ.

ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ نَبِيَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ قِيلَ لَهُ احْمِلْهُمْ فِيهَا أَنْ يَرْكَبُوا فِيهَا قَائِلًا: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [١١ \ ٤١] ، أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ جَرْيُهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَبِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ مُنْتَهَى سَيْرِهَا وَهُوَ رُسُوُّهَا.

وَبَيَّنَ فِي «سُورَةِ الْفَلَاحِ» : أَنَّهُ أَمَرَهُ إِذَا اسْتَوَى عَلَى السَّفِينَةِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ أَنْ يَحْمَدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>