للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حِفْظِهَا مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِشَيَاطِينِ الْجِنِّ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ تَشْمَلُ بِدَلَالَتِهَا اللُّغَوِيَّةِ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ مِنَ الْكُفَّارِ. قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَالشَّيْطَانُ مَعْرُوفٌ، وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٌ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ شَيْطَانٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالشَّيْطَانُ مَعْرُوفٌ، وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جِنٍّ أَوْ دَابَّةٍ اه.

وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ أَشَدِّ الْكُفَّارِ تَمَرُّدًا وَعُتُوًّا الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ بُلُوغَ السَّمَاءِ، فَدُخُولُهُمْ فِي اسْمِ الشَّيْطَانِ لُغَةً لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ لَفْظُ الشَّيْطَانِ يَعُمُّ كُلَّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [١٥ \ ١٧] صَرِيحٌ فِي حِفْظِ السَّمَاءِ مِنْ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَحَمْلُ نُصُوصِ الْوَحْيِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَاجِبٌ، إِلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهَا أَوْ صَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ. وَحِفْظُ السَّمَاءِ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَعْنَاهُ حِرَاسَتُهَا مِنْهُمْ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: حَفِظْتُ الشَّيْءَ حِفْظًا أَيْ حَرَسْتُهُ اه. وَقَالَ صَاحِبُ لِسَانِ الْعَرَبِ: وَحَفِظْتُ الشَّيْءَ حِفْظًا أَيْ حَرَسْتُهُ اه. وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ مَدْلُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [١٥ \ ١٧] أَيْ وَحَرَسْنَاهَا أَيِ السَّمَاءَ مِنْ كُلِّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ.

وَلَا مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ لِقَوْلِهِ رَجِيمٍ [١٥ \ ١٧] وَقَوْلِهِ مَارِدٍ [٣٧ \ ٧] لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْكَاشِفَةِ فَكُلَّ شَيْطَانٍ يُوصَفُ بِأَنَّهُ رَجِيمٌ وَبِأَنَّهُ مَارِدٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْوَى تَمَرُّدًا مِنْ بَعْضٍ، وَمَا حَرَسَهُ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - مِنْ كُلِّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ، لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عَاتٍ مُتَمَرِّدٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [٦٧ \ ٤] وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اه

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ. اللَّوَاقِحُ جَمْعُ لَاقِحٍ، وَأَصْلُ اللَّاقِحِ الَّتِي قَبِلَتِ اللِّقَاحَ فَحَمَلَتِ الْجَنِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

إِذَا قُلْتُ عَاجٍ أَوْ تَفَتَّيْتُ أَبْرَقَتْ ... بِمِثْلِ الْخَوَافِي لَاقِحًا أَوْ تَلَقَّحُ

وَأَصْلُ تَلَقَّحُ: تَتَلَقَّحُ، حُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، أَيْ تَوَهَّمَ أَنَّهَا لَاقِحٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَوَصْفُ الرِّيَاحِ بِكَوْنِهَا لَوَاقِحَ ; لِأَنَّهَا حَوَامِلُ تَحْمِلُ الْمَطَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا [٧ \ ٥٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>