للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَيْ: مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا أَنْ تُقْرَبَ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ لَا يَحِلُّ، كَمَا إِذَا كُنَّ صَائِمَاتٍ، أَوْ مُحْرِمَاتٍ، أَوْ مُعْتَكِفَاتٍ.

وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يَعْنِي طَاهِرَاتٍ غَيْرِ حُيَّضٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)

لَمْ يُصَرِّحْ هُنَا بِالْمُرَادِ بِمَا كَسَبَتْهُ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا حَنِثَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا كَسَبَتِ الْقُلُوبُ، هُوَ عَقْدُ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ، وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّازِمَ فِي ذَلِكَ إِذَا حَنِثَ كَفَّارَةٌ، هِيَ: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ الْآيَةَ [٥ \ ٨٩] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ شُمُولُهَا لِجَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ خُرُوجَ بَعْضِ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ، كَالْحَوَامِلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهُنَّ وَضْعُ الْحَمْلِ، فِي قَوْلِهِ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [٦٥ \ ٤] وَكَالْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهُنَّ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ أَصْلًا، بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [٣٣ \ ٤٩] .

أَمَّا اللَّوَاتِي لَا يَحِضْنَ، لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [٦٥ \ ٤] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فِيهِ إِجْمَالٌ ; لِأَنَّ الْقُرْءَ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْحَيْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» . وَيُطْلَقُ الْقُرْءُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى الطُّهْرِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: [الطَّوِيلِ]

أَفِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

<<  <  ج: ص:  >  >>