للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الْبَرْقِ، ومنهم من يمر مثل الريح..) الحديث، فهذا على القول بأن ورود الناس بالنسبة للمؤمنين هو المرور عليها على الصراط.

وهناك من فسر ورود المؤمنين بدخولهم فيها وتكون برداً عليهم، فعن أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقَالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا. ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا. فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعاً.

وتفسير الورود بالدخول مروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وأيد قوله بقول الحق تبارك وتعالى: {يقدم قومه (١) يوم القيامة فأوردهم النار} (٢) ، وقوله: {ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً} (٣) ، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جهنم أنتم لها واردون..} (٤) فالورود في ذلك كله الدخول (٥) .


(١) أي فرعون لعنه الله.
(٢) هود: ٩٨.
(٣) مريم: ٨٦.
(٤) الأنبياء: ٩٨.
(٥) وذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر مرفوعاً: (لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فتكون على المؤمنين بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مَنْ بَرْدِهِمْ؟، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) والحديث ضعفه الألباني (ضعيف الجامع الصغير ٦١٦٩) وأوله: الورود الدخول. وقال الشيخ أحمد البنا رحمه الله في بلوغ الأماني: أورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات، قال: ولجابر في الصحيح في الورود شيء موقوف غير هذا. (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ج١٨ ص٢٠٩) ورجح الشنقيطي رحمه الله أن المراد بالورود في الآية الدخول، وذكر فيها أربعة أقوال. انظر أضواء البيان ج٤ ص٣٧٦- ٣٨٣، وفي الفتاوى لابن تيمية رحمه الله أن المراد بالورود المذكورة في الآية هو المرور على الصراط. (ج٤ ص٢٧٩) ، ومن استعمال الورود في غير الدخول قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: ٢٣] ، وقال النووي رحمه الله: والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط. (صحيح مسلم بشرح النووي: ١٦/٥٨) ..وقال شارح الطحاوية: الأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط، قال تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيًّا} وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله أليس الله يقول: {وإن منكم إلا واردها} فقال: (ألم تسمعيه قال: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً} أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ورود النار لا = =يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد أسبابه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه يقال: نجاه الله منهم، ولهذا قال الله تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً} [هود: ٩٥] ولم يكن العذاب أصابهم ولكن أصاب غيرهم لولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك.. (شرح الطحاوية ص٤٧١) . وحديث الصحيح المذكور رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة. وانظر شرح النووي (١٦/٥٨) وقال ابن باز حفظه الله: بأن المراد بالورود المرور على الصراط. الفتاوى الإسلامية ج١ ص١٥، ١٦ عن الدّعوة ٩١٩.

<<  <   >  >>