للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث: الإحسان]

وهذه الْمَرْتَبَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ الْمُفَصَّلَةِ في حديث جبريل وهي أعلى مراتب الدين.

[١-معنى الإحسان]

وَالْإِحْسَانُ لُغَةً: إِجَادَةُ الْعَمَلِ وَإِتْقَانُهُ وَإِخْلَاصُهُ. وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ مَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) .

وقد سبق أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الْإِسْلَامَ بالأقوال والأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأركان الباطنة، أما الإحسان فهو تَحْسِينُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ هُوَ الدِّينُ، وهذا التفسير للإسلام والإيمان والإحسان عند اقترانها كما في حديث جبريل عليه السلام، أما عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكُلٌّ مِنْهَا يَشْمَلُ دِينَ اللَّهِ كله.

٢-درجات الإحسان ومقامات المحسنين فيه:

والمقصود في هذا الفصل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الإحسان تَفْسِيرًا لَا يَسْتَطِيعُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ أَحَدٌ غَيْرَهُ لِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تراه فإنه يراك) فأخبر أَنَّ مَرْتَبَةَ الْإِحْسَانِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ وَأَنَّ لِلْمُحْسِنِينَ فِي الْإِحْسَانِ مَقَامَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ:

الْمَقَامُ الْأَوَّلُ - وَهُوَ أَعْلَاهُمَا -: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَهَذَا مَقَامُ الْمُشَاهِدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى مقتضى مشاهدته لله عز وجل بقلبه، فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اسْتِحْضَارِ قربه منه وإقباله ليه وَأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ أَوْجَبَ لَهُ ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم.

والمقام الثَّانِي: مَقَامُ الْإِخْلَاصِ، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى اسْتِحْضَارِ مُشَاهَدَةِ

<<  <   >  >>