للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموت وأنا أكره مساءته) (١) فهؤلاء ذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى فَذَكَرَهُمْ، وَشَكَرُوهُ فَشَكَرَهُمْ، وَتَوَلَّوْهُ وَوَالَوْا فِيهِ فَتَوَلَّاهُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ لِأَجْلِهِ فَآذَنَ بِالْحَرْبِ مَنْ عَادَاهُمْ، وَأَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ فَأَحْسَنَ جَزَاءَهُمْ وَأَجْزَلَهُ، عَبَدُوهُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ فَجَازَاهُمْ بِفَضْلِهِ وَزَادَهُمْ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (٢) ، وَالزِّيَادَةُ هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا كَانُوا يعبدون الله في الدينا عَلَى وَجْهِ الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بِقُلُوبِهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي حَالِ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ كَانَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ، وَعَكْسُ هَذَا مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَقَالَ تَعَالَى عنهم: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} (٣)

لَمَّا كَانَ حَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا التَّكْذِيبَ وَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ التَّكْذِيبُ تَرَاكُمَ الرَّانِ عَلَى قُلُوبِهِمْ حَتَّى حُجِبَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ حُجِبُوا عَنْ رُؤْيَتِهِ في الآخرة.

هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الكلام على مفردات حديث جبريل عليه السلام.

***

وفيما يلي

[الأبيات المتعلقة بما سبق]

وَثَالِثٌ مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ ... وَتِلْكَ أَعْلَاهَا لَدَى الرَّحْمَنِ

وَهْوَ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي الْعِرْفَانِ ... حَتَّى يَكُونَ الْغَيْبُ كَالْعِيَانِ


(١) رواه البخاري في الرقاق باب التواضع وفيه (استعاذ بي) بدلاً من (عاذ بي) و (ترددي عن نفس المؤمن ... ) دون عبدي. (الفتح ١١/٣٤٨) .
(٢) يونس: ٢٦
(٣) المطففين: ١٥..

<<  <   >  >>