للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن أغنياء} (١) ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (٢) ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (٣) فسبحان من وسع سمعه الأصوات، وأحاط بصره بجميع المبصرات، سَمْعٌ لا كسمعنا، وبصر لا كبصرنا، بل له الكمال المطلق الذي يليق به تعالى، فعائشة رضي الله عنها -كما في صحيح البخاري - لا تسمع ما تقوله المجادلة وهي في ناحية البيت والله تعالى يسمعها من فوق عرشه من فوق سبع سماوات.

والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، ومع ذلك ضلت الجهمية فلم يثبتوا لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا وَلَا صِفَةً مِمَّا سَمَّى مما سمى ووصف به نفسه وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البصير، ولا أنه يسمع ويرى بسمع وببصر، فِرَارًا - بِزَعْمِهِمْ - مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْمَخْلُوقِينَ، فَنَزَّهُوهُ عَنْ صفات كماله التي وصف نَفْسَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَشَبَّهُوهُ بِالْأَصْنَامِ التي لا تسمع ,لا تبصر، قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {يا أبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ولا يغني عنك شيئاً} (٤) فالجهمية أثبتت حجة لعباد الأصنام وجواباً لإنكار خليل الرحمن وجميع رسله، فَكَانَ لِلْكُفَّارِ أَنْ يَقُولُوا: وَمَعْبُودُكُمْ أَيْضًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الكافرون والظالمون عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ، بَصِيرٌ بِلَا بَصَرٍ، وَأَطْرَدُوا جَمِيعَ أَسْمَائِهِ هَكَذَا، فَأَثْبَتُوا أَسْمَاءً وَنَفَوْا مَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي: وَقَوْلُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الجهمية، مخالف كل منهما الكتاب والسنة والعقول الصحيحة، فهؤلاء المعتزلة جعلوا أسماء الله بلا


(١) آل عمران: ١٨١.
(٢) العلق: ١٤.
(٣) المجادلة: ١.
(٤) مريم: ٤٢.

<<  <   >  >>