للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي مُسَاءَلَتِهِ أَبَا عَلِيٍّ: رَاجَعْتُهُ فِيهَا مِرَارًا فَآخِرُ مَا حَصَلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى مُتَّصِلَتَانِ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، فَتَكُونُ «إِذْ» بَدَلًا مِنَ الْيَوْمِ حَتَّى كَأَنَّهَا مُسْتَقْبِلَةٌ، أَوْ كَأَنَّ الْيَوْمَ مَاضٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ ثُبُوتَ ظُلْمِهِمْ عِنْدَهُمْ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ؛ إِذْ صَحَّ ظُلْمُكُمْ عِنْدَكُمْ، فَهُوَ بَدَلٌ أَيْضًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: التَّقْدِيرُ: بَعْدَ إِذْ ظَلَمْتُمْ؛ فَحُذِفَ الْمُضَافُ لِلْعِلْمِ بِهِ.

وَقِيلَ: إِذْ بِمَعْنَى أَنْ؛ أَيْ لِأَنْ ظَلَمْتُمْ. وَيُقْرَأُ: «إِنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ التَّمَنِّي.

وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلَ ظُلْمُكُمْ أَوْ جَحْدُكُمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ ظَلَمْتُمْ، وَيَكُونَ الْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ مِنَ اللَّفْظِ هُوَ الْعَامِلَ فِي إِذْ، لَا ضَمِيرَ الْفَاعِلِ.

قَالَ تَعَالَى: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) : «أَمْ» هَاهُنَا مُنْقَطِعَةٌ فِي اللَّفْظِ، لِوُقُوعِ الْجُمْلَةِ بَعْدَهَا؛ وَهِيَ فِي الْمَعْنَى مُتَّصِلَةٌ مُعَادَلَةٌ؛ إِذِ الْمَعْنَى: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أَمْ لَا، أَوْ أَيُّنَا خَيْرٌ.

وَ (أَسْوِرَةٌ) : جَمْعُ سِوَارٍ، وَأَمَّا أَسَاوِرَةُ فَجَمْعُ إِسْوَارٍ، أَوْ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَأَصْلُهُ أَسَاوِيرُ، فَجُعِلَتِ الْيَاءُ عِوَضًا مِنَ التَّاءِ.

قَالَ تَعَالَى: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦)) .

وَأَمَّا «سَلَفًا» فَوَاحِدٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، مِثْلُ النَّاسِ وَالرَّهْطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>