للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)) .

وَ (آخِذِينَ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ وَالظَّرْفُ خَبَرُ إِنَّ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَ الظَّرْفُ هُنَا خَبَرًا؛ وَ «آخِذِينَ» حَالًا، وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [الزُّخْرُفِ: ٧٤] .

قِيلَ: الْخَبَرُ مَقْصُودُ الْجُمْلَةِ، وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ الْمُجْرِمِينَ الْإِخْبَارُ عَنْ تَخْلِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَكُونُ فِي النَّارِ؛ وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهَا؛ فَأَمَّا «إِنَّ الْمُتَّقِينَ. . .» فَجُعِلَ الظَّرْفُ فِيهَا خَبَرًا؛ لِأَنَّهُمْ يَأْمَنُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا، فَجُعِلَ آخِذِينَ فَضْلَةً.

قَالَ تَعَالَى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَانُوا قَلِيلًا) : فِي خَبَرِ «كَانَ» وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: «مَا يَهْجَعُونَ» وَفِي «مَا» عَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ زَائِدَةٌ؛ أَيْ كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا، وَ «قَلِيلًا» نَعْتٌ لِظَرْفٍ، أَوْ مَصْدَرٌ؛ أَيْ زَمَانًا قَلِيلًا، أَوْ هُجُوعًا قَلِيلًا.

وَالثَّانِي: هِيَ نَافِيَةٌ؛ ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، وَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا فِي حَيِّزِهِ، وَ «قَلِيلًا» مِنْ حَيِّزِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ (قَلِيلًا) : خَبَرُ كَانَ وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ؛ أَيْ كَانُوا قَلِيلًا هُجُوعُهُمْ؛ كَمَا تَقُولُ: كَانُوا يَقِلُّ هُجُوعُهُمْ.

وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ «مَا يَهْجَعُونَ» بَدَلًا مِنَ اسْمِ كَانَ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ.

وَ

(مِنَ اللَّيْلِ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ «يَهْجَعُونَ» عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّبْيِينِ؛ أَيْ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ يَهْجَعُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ «قَلِيلًا» ثُمَّ اسْتَأْنَفَ؛ فَقَالَ: مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّكَ إِنْ جَعَلْتَ «مَا» نَافِيَةً فَسَدَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ جَعَلْتَهَا مَصْدَرِيَّةً لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَدْحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ النَّاسِ يَهْجَعُونَ فِي اللَّيْلِ. (

<<  <  ج: ص:  >  >>