للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحُدُهَا: أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْخَلْقِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: (خَلْقِ السَّمَاوَاتِ) ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ مَصْدَرًا، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَيَكُونُ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى مَا هُوَ هُوَ فِي الْمَعْنَى. وَالثَّانِي: أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، فَعَادَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: مَا خَلَقْتُ هَذَا الْمَذْكُورَ أَوِ الْمَخْلُوقَ. (فَقِنَا) : دَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَعْنَى الْجَزَاءِ؛ فَالتَّقْدِيرُ: إِذَا نَزَّهْنَاكَ أَوْ وَحَّدْنَاكَ فَقِنَا. (مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتُدْخِلَ.

وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ «فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» .

وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ (مَنْ) مُبْتَدَأً، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ الْخَبَرَ، وَعَلَى جَمِيعِ الْأَوْجُهِ الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ إِنَّ.

قَالَ تَعَالَى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (١٩٣) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُنَادِي) : صِفَةٌ لَمُنَادِيًا، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُنَادِيًا.

فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْفِعْلِ مَعَ دَلَالَةِ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ مُنَادٍ عَلَيْهِ قِيلَ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا هُوَ تَوْكِيدٌ كَمَا تَقُولُ قُمْ قَائِمًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وُصِلَ بِهِ مَا حَسَّنَ التَّكْرِيرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لِلْإِيمَانِ» . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْمِ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مَعْرُوفًا بِالنِّدَاءِ يَذْكُرُ مَا لَيْسَ بِنِدَاءٍ، فَلَمَّا قَالَ يُنَادِي ثَبَتَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا نِدَاءَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ.

وَمَفْعُولُ يُنَادِي مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: نَادَى النَّاسَ: (أَنْ آمِنُوا) : أَنْ هُنَا بِمَعْنَى أَيْ فَيَكُونُ النِّدَاءُ قَوْلَهُ آمِنُوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>