للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا التَّاءُ فَضَمِيرُ الْفَاعِلِ، فَإِذَا اتَّصَلَتْ بِهَا الْكَافُ الَّتِي لِلْخِطَابِ كَانَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ. وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى الْكَافِ؛ فَتَقُولُ فِي الْوَاحِدِ أَرَأَيْتَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) [الْإِسْرَاءِ: ٦٢] وَفِي التَّثْنِيَةِ أَرَأَيْتَكُمَا، وَفِي الْجَمْعِ أَرَأَيْتَكُمْ، وَفِي الْمُؤَنَّثِ أَرَأَيْتَكُنَّ، وَالتَّاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَفْتُوحَةٌ.

وَالْكَافُ حَرْفٌ لِلْخِطَابِ، وَلَيْسَتِ اسْمًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَتْ إِمَّا مَجْرُورَةً، وَهُوَ بَاطِلٌ، إِذْ لَا جَارَّ هُنَا، أَوْ مَرْفُوعَةً، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَافَ لَيْسَتْ مِنْ ضَمَائِرِ الْمَرْفُوعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا رَافِعَ لَهَا إِذْ لَيْسَتْ فَاعِلًا؛ لِأَنَّ التَّاءَ فَاعِلٌ، وَلَا يَكُونُ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَاعِلَانِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، كَقَوْلِكَ: أَرَأَيْتَ زَيْدًا مَا فَعَلَ، فَلَوْ جَعَلْتَ الْكَافَ مَفْعُولًا لَكَانَ ثَالِثًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْعُولًا لَكَانَ هُوَ الْفَاعِلَ فِي الْمَعْنَى، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ الْغَرَضُ أَرَأَيْتَ نَفْسَكَ؛ بَلْ أَرَأَيْتَ غَيْرَكَ، وَلِذَلِكَ قُلْتَ أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا، وَزَيْدٌ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ، وَلَا هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ، لَظَهَرَتْ عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ فِي التَّاءِ، فَكُنْتَ تَقُولُ أَرَأَيْتَمَاكُمَا، وَأَرَأَيْتَمُوكُمْ، وَأَرَأَيْتَكُنَّ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ الْكَافَ اسْمٌ مُضْمَرٌ مَنْصُوبٌ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ إِبْطَالٌ لِمَذْهَبِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>