للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذرٍ وَمِيَاهٍ وَحَشَرَاتٍ وَمَعَادِنَ، {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} مِنْ زرعٍ وأشجارٍ وعيونٍ جاريةٍ وَمَعَادِنَ نَافِعَةٍ كَذَلِكَ، {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء} مِنْ ثلجٍ وَأَمْطَارٍ وصواعقَ وملائكةٍ، {وَمَا يَعْرُجُ} ؛ أَيْ: يَصْعَدُ {فِيهَا} كَذَلِكَ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَعْمَالٍ وَطَيْرٍ صوافَّ ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ جَلَّ شَأْنُهُ.

وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ {عِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} ، وَمَفَاتِحُ الْغَيْبِ؛ قِيلَ: خَزَائِنُهُ. وَقِيلَ: طُرُقُهُ وَأَسْبَابُهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَيْهِ، جَمْعُ مِفتح؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ، أَوْ مِفْتَاحٍ؛ بِحَذْفِ يَاءِ مَفَاعِيلَ.

وَقَدْ فَسَّرَهَا النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ:

((مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ)) ، ثُمَّ تلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (١) .

وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ هُوَ صِفَةٌ لَهُ، قَائِمٌ بِذَاتِهِ؛ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (٢) الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ


(١) رواه البخاري في تفسير سورة الأنعام، (باب: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} (٨/٩١- فتح) ، وفي تفسير سورة لقمان، والرعد، وفي التوحيد (١٣/٣٦١- فتح) .
والآية في سورة لقمان، رقم ٣٤.
(٢) المعتزلة: هم في الصفات جهمية ينفونها، وفي القدر قدريَّة يقولون: أعمال العباد مخلوقةٌ لهم، وينكِرون رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ويوجبون على الله الثواب والعقاب والصلاح والأصلح، ويقولون بالعدل، والمنزلة بين المنزلتين، ويقدمون العقل على النقل، وهم أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وهم عشرون فرقة، وأصل معتقدهم باقٍ إلى اليوم، متمثل بوجه أو بآخر في كل من الشيعة والزيدية والإباضية، وفيمن يُسمَّوْن بالعقلانيين أو العصرانيين، ويلحق بهم من سُمُّوا زورًا بالتنويريين أو المستنيرين.

<<  <   >  >>