للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَحْفُوظِ؛ فَإِنَّ فِيهِ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَكُونُ فِي مَوَاضِعَ تَفْصِيلًا يخصُّ كُلَّ فردٍ؛ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي يُؤْمَرُ الْمَلَكُ بِكِتَابَتِهَا عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ؛ يَكْتُبُ رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وشقيٌّ أَمْ سَعِيدٌ (١) .

فَهَذَا تقديرٌ خاصٌّ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ السَّابِقُ عَلَى وُجُودِ الْأَشْيَاءِ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلَاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا؛ مِثْلُ: مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ (٢) ، وغَيلان الدِّمشقي (٣) ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ.

وَمُنْكِرُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الْقَدَرِ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

ـ[ (وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ،]ـ


(١) لما رواه البخاري في بدء الخلق، (باب: ذكر الملائكة) (٦/٣٠٣-فتح) ، ومسلم في القدر، (باب: كيفية الخلق الآدمي) (١٦/٤٢٩-نووي) ، وأحمد في ((المسند)) (١/٣٧٤) ، وأبو داود، والترمذي.
وهو جزء من حديث ابن مسعود المشهور:
((إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه ... )) الحديث.
(٢) هو معبد بن عبد الله بن عليم الجهني البصري، أول من قال بالقدر، نهى الحسن عن مجالسته، وقال:
((هو ضالٌّ مضلٌّ)) .
قتله الحجَّاج سنة (٨٠هـ) ، وقيل: صَلَبه عبد الملك بن مروان.
انظر: ((ميزان الاعتدال)) (٤/١٤١) ، و ((الأعلام)) (٧/٢٦٤) .
(٣) هو غيلان بن مسلم بن أبي غيلان، أبو مروان الدمشقي، كاتب بليغ، ثاني مَن تكلم في القدر، أخذه عن معبد الجهني، صَلَبه هشام بن عبد الملك بدمشق بعد عام (١٠٥هـ) .
انظر: ((الأعلام)) (٥/١٢٤) .

<<  <   >  >>