للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من أعظم أساب تغير الدول؛ كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا.

ومن أراد الله سعادته؛ جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيَّده الله ونصره، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه؛ فإن الله يقول في كتابه: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (١) .

فقد وعد الله بنصر من ينصره، ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله، لا نصر من يحكم بغير ما أنزل الله ويتكلم بما لا يعلم؛ فإن الحاكم إذا كان ديِّنًا، لكنه حكم بغير علم؛ كان من أهل النار، وإن كان عالمًا؛ لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم؛ كان أولى أن يكون من أهل النار.

وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامًّا في دين المسلمين (٢) ، فجعل الحق باطلاً والباطل حقًّا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله؛ فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون} (٣) ، {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ


(١) الحج: (٤٠، ٤١) .
(٢) شيخ الإسلام هنا يفرق بين الحكم في قضية معينة والحكم العام أو التشريع العام، واعلم أن الحكم في قضية أو قضايا معينة كفر وذنب عظيم، وهو من باب كفر دون كفر، أمَّا التشريع العام فنصوص العلماء قديمًا وحديثًا ـ بل قد نَقَل ابن حزم وابن القيم وابن كثير الإجماع ـ على أنه كفر أكبر مخرج من الملة، كثيرة جدًا، ويمكن جمعها في كتاب، لكن سأكتفي هنا بنقل بعضٍ منها.
(٣) القصص: (٧٠) .

<<  <   >  >>