للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عصام محمد محمود سليم من العراق محافظة نينوى يقول ماصحة هذا الحديث وما معناه (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير) ؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم (نهى أن يبرك الإنسان في سجوده كما يبرك البعير) لأن الله تعالى فضل بني آدم على الحيوانات ولاسيما في العبادة التي هي من أجل العبادات وهي الصلاة فتشبه الإنسان بالبهائم مخالف لمقصود الصلاة ومخالف للحقيقة التي عليها بنو آدم والتفضيل على البهائم والحيوانات ولهذا لم يذكر الله تعالى مشابهة الإنسان للحيوان إلا في مقام الذم كما في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) وكما في قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وكما في قوله صلى الله عليه وسلم (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) وكقول صلى الله عليه وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) فالتشبه بالحيوان في أداء العبادة يكون أشد وأعظم والبعير إذا برك كما نشاهده يبدأ بيديه فأول ما يصل يديه ويخر عليهما ثم يكمل بروكه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الساجد أن يبرك كما يبرك البعير وذلك بأن يقدم يديه قبل ركبتيه فإذا قدم يديه قبل ركبتيه في حال السجود فقد برك بروك البعير وعلى هذا يكون المشروع أن يبدأ بركبتيه قبل يديه كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أنه كان يسجد على ركبتيه ثم يديه كما أن هذا الموافق للنزول باعتبار البدن فتنزل الأسافل أولاً بأول كما ترتفع الأعالي أولاً بأول فلهذا عند النهوض من السجود يبدأ بالجبهة والأنف ثم باليدين ثم بالركبتين وفي النزول كذلك يبدأ بالأسفل بالركبتين ثم باليدين ثم بالجبهة والأنف وأما قوله في الحديث (وليبدأ بركبتيه قبل يديه) فهذا مما انقلب على الراوي كما حقق ذلك ابن القيم في زاد المعاد وكما هو ظاهر من اللفظ لأنه لو قدر أن الحديث ليس فيه انقلاب لكان آخره مخالفاً لأوله لأنه إذا بدأ بيديه قبل ركبتيه فإنه قد برك كما يبرك البعير والنهي لا يبرك كما يبرك البعير مقدم على المثال لأن النهي محكم والتمثيل قد يقع فيه الوهم من الراوي وحينئذ فنقول صواب الحديث وليبدأ بركبتيه قبل يديه ليكون المثال مطابقاً للقاعدة وهي النهي عن البروك كما يبرك البعير فإن قال قائل إن البعير يبرك على ركبتيه لأن ركبتيه في يديه فإذا وضع الإنسان ركبتيه قبل يديه فقد برك على ما يبرك عليه البعير قلنا نعم ركبتا البعير في يديه ولا إشكال في ذلك ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول إنك إذا بدأت بالركبتين عند السجود فقد بركت على ما يبرك عليه البعير وهو الركبتان وإنما قال صلى الله عليه وسلم (كما يبرك البعير) فالنهي عن الكيفية والصفة وليس عن العضو المسجود عليه وبهذا يتبين جلياً أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن البروك كبروك البعير موافق لحديث وائل بن حجر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان يبدأ بركبتيه قبل يديه) والله أعلم.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>