للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله أدع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فأنطلق فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم فشفعه) ما صحة هذا الحديث وما معناه يا فضيلة الشيخ]

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من قال إنه حسن ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ فإن هذا الحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ ويصلى ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له وليكون وضوؤه وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى فإذا صدقت النية وصحت وقويت العزيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له إلى الله عز وجل وذلك بأن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم له فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له لأن هذا الطلب نوع شفاعة أما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت بل الدعاء عبادة كما قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولهذا لم يلجأ الصحابة رضي الله عنهم عند الشدائد وعند الحاجات إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بل قال عمر رضي الله عنه حين قحط المطر اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله بالسقيا فدعا فسقوا وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يدعو لأحد لأن ذلك غير ممكن لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلى الله عليه وسلم وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بعد موته أي موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي حرم الله على من اتصف به الجنة قال الله تعالى (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) وقال الله عز وجل (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) وقال تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فالمهم أن من دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يوجه الدعاء إلى العلي القدير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه ويَدَعون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر وجالب النفع والخير مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وقال تعالى منكراً على من دعاء غيره (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً إلى صراط مستقيم

***

<<  <  ج: ص:  >  >>