للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نسمع من العلماء عبارة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ما معنى ذلك وما الدليل عليها جزاكم الله خيرا؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أنه إذا ورد النص على سبب خاص فإن العبرة بعمومه ومثال ذلك قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ثم قال (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) ثم قال (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فهنا سبب نزول هذه الآيات أن رجلاً ظاهر من امرأته وجاءت المرأة تشتكي إلى رسول صلى الله عليه وسلم وهو في حجرته عند عائشة فنزلت الآيات فالسبب خاص والحكم عام وفي هذه القصة قالت عائشة رضي الله عنها (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها) تقول رضي الله عنها (الحمد لله) وهذا ثناء على الله عز وجل ووصف له بالكمال أن وسع صوت هذه المرأة من فوق سبع سماوات وعائشة رضي الله عنها في نفس الحجرة ويخفى عليها بعض حديثها وهذا حق أن الله تعالى يسمع السر وأخفى، وإذا آمن الرجل بذلك فإنه بلا شك سوف يقيم لسانه وسوف لا يتكلم إلا بما يرضي الرب عز وجل وبما أذن فيه لأنه يعلم أن كل كلمة يقولها فإن الله تعالى يسمعها فوق سبع سماوات وحينئذ يجب التحرز من إطلاق قول اللسان فلقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل (أفلا أخبرك بملاك ذلك كله - بعد أن ذكر له أشياء من شرائع الإسلام - قال: قلت بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه، وقال: كف عليك هذا. فقال معاذ: يا رسول الله أئنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلت أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم-أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فليحذر اللبيب العاقل المؤمن من إطلاق لسانه فكم من كلمة أوجبت لصاحبها النار والعياذ بالله وكم من كلمة أدخلت الجنة يتكلم الرجل بالكلمة مما يرضي الله عز وجل فيرتقي بها إلى درجات العلى ويتكلم بالكلمة من غضب الله يهوي بها في النار ولعل السائل فهم الآن معنى قول العلماء العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن آيتي الظِّهار شاملة لكل مَنْ ظاهر من امرأته. والظِّهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليَّ كظهر أمي وهذا يعني تحريمها التحريم المغلظ لأن ظَهْر الأم من أعظم وأغلظ المحرمات وقد قال الله تعالى في هذا الظهار (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) فمنكر لأن الشرع لا يقره وزور لأنهم كذبوا فليست الزوجة كظهر الأم.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>