للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بارك الله فيكم المستمع م. أ. أ. من القصيم يقول: أسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . لأنني قرأت بعض التفاسير، وخشيت أن يكون في بعضها ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك في قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) . نريد الجواب الشافي؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أحب أن أنبه على قول السائل: إنه يسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . فإن ظاهر لفظه أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من مقول الله، والذي ينبغي إذا أراد أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أن يقدمها على قول الله، فيقول مثلاً: أسأل عن هذه الآية ثم يذكرها، أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما معنى قوله تعالى كذا وكذا. وأما بالنسبة لسؤاله: فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، بدون تحريف، بل يجرى الكلام على ظاهره؛ لأن المتكلم به- وهو الله عز وجل- أعلم بنفسه من غيره، ولأنه تبارك وتعالى أصدق القائلين، وكلامه أفصح الكلام وأبينه، ومراده عز وجل من عباده أن يهتدوا ولا يضلوا، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بربه، وكلامه أصدق كلام الخلق وأفصحه، ومراده صلى الله عليه وسلم هداية الخلق دون ضلالهم، وهذه الصفات الأربع: العلم والصدق والفصاحة وإرادة الخير، إذا توافرت في كلام فقد بلغ الغاية في وجوب الأخذ بمدلوله على ظاهره، ولا يجوز أن يحرف إلى غير الظاهر. وبناء على هذه القاعدة العظيمة نقول: إن كل ما وصف الله به نفسه من الصفات فهو حق على ظاهرها، ففي الآية الأولى التي ذكرها قال الله تبارك وتعالى عن المنافقين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . قال ذلك عز وجل ليبين أن خداعهم ومكرهم دون خداع الله تعالى لهم ومكره بهم، فهو كقوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) . والخداع ليس وصفاً مطلقاً بالنسبة لله، ولكنه وصف في مقابلة من يخادعونه؛ ليبين أنه عز وجل أقدر منهم على الخداع والمكر، وهذا لا شك يدل على القوة وعلى ضعف المقابل، وليس به أي نقص يتوجه إلى الله عز وجل، ولهذا نرى الناس إذا أرادوا أن يخدعوا شخصاً فعرف خداعهم وخادعهم علموا أنه أقوى منهم وأشد، فالخداع في مقابلة المخادع صفة كمال وليس صفة نقص. ويذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بارز عمرو بن ود وخرج إليه عمرو قال علي: إني لم أخرج لأبارز رجلين فالتفت عمرو يظن أنه قد لحقه آخر، فلما التفت ضربه علي حتى أهلكه، فهذا من الخداع الجائز، لأن عمرو بن ود إنما خرج من أجل أن يقتل علياً رضي الله عنه، والحرب خدعة، فخدعه علي رضي الله عنه بهذه الكلمة حتى قضى عليه، ويعد هذا من قدرة علي رضي الله عنه وقوته في خداع خصمه. ولهذا نقول: إن الخداع والاستهزاء والمكر والكيد الذي وصف الله به نفسه إنما يوصف الله به في مقابل من فعل ذلك، لا على سبيل الإطلاق. ولهذا ننبه على مسألة يقولها بعض العامة، يقولون: خان الله من يخون، فيظنون أن الخيانة مثل الخداع، وهذا ليس بصحيح، لأن الخيانة خداع في غير موضعه، ومكر في غير موضعه، فلا يجوز أن يوصف الله بها، ولهذا قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم) ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة وصف لا يليق بالله تعالى مطلقاً؛ لأنه مذموم على كل حال.

فضيلة الشيخ: قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية كما قلنا في الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . وكما أشرنا إلى آية ثالثة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ، وإلى آية رابعة: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا. ً وَأَكِيدُ كَيْداً) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>