للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لمس المرأة أهو ناقض للوضوء على المذهب الشافعي أم لا؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنا شخصياً لا أُجيب السؤال على من طلب أن تكون الإجابة على مذهب من لا يجب اتباعه سواءٌ كان مذهب الشافعي أو الإمام أحمد أو الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة لأن الفرض على المسلم أن يسأل عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يجب اتباعه لا أن أسأل عن مذهب فلان وفلان أما الجواب على السؤال فأنا أقول له مقتضى الأدلة الشرعية أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواءً كان لشهوة أم غير شهوة إلا أن يحدث إنزال أو مذي فإن حصل بذلك إنزال أو مذي أو غيرهما من الأحداث وجب الوضوء بهذا الحدث لا بمجرد المس.

إذاً نقول لا دليل على بطلان الوضوء من مس المرأة فإذا لم يقم دليلٌ صحيحٌ صريح فإننا لا يمكن أن ننقض طهارةً ثبتت بمقتضى دليلٍ صريحٍ صحيح، أما قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع لأن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ) إنما جاء في معرض التيمم لا معرض الغسل وهي مقابلةٌ لقوله في الطهارة بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولتسمعوا إلى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذا الوضوء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) هذا الغسل بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) هذا موجب الطهارة الصغرى لكن في التيمم الآية انقسمت إلى قسمين القسم الأول منها في طهارة الماء عن الحدث الأصغر بغسل الأعضاء الأربعة وعن الحدث الأكبر بالتطهير الكامل للبدن القسم الثاني الطهارة بالتراب عن الحدث الأصغر قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وعن الحدث الأكبر قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فتبين الآن أن الآية ليس فيها دليلٌ على نقض الوضوء بمس المرأة وإنما فيها مقابلة قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) في طهارة الماء بقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) في طهارة التيمم. ثم إننا لو قلنا إن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يراد به الحدث الذي ينقض الوضوء لكان في الآية تكرار لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) فيه الإشارة إلى الحدث الأصغر فيكون في الآية لو حملنا قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) على ما ينتقض به الوضوء لكان في الآية تكرارٌ لذكر موجبين للوضوء وإغفال موجب الغسل وهذا بلا شك خلاف ما تقتضيه بلاغة القرآن وبيانه.

وأقول للأخ الذي يطلب الحكم على مذهب الشافعي أولاً أرجو منه ومن غيره أن يكون طلبهم الحكم على ما تقتضيه شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام وهديه لا على ما يقتضيه رأي فلان وفلان لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وليس معنى قولي هذا الحط من قدر أهل العلم أبداً بل إن من رفع قدر أهل العلم أن نقبل كلامهم وتوجيهاتهم والشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة كلهم يأمروننا ويوجهوننا إلى أن نتلقى الأحكام مما تلقوه هم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقول إن كون الإنسان يتجه إلى مذهب معين لفلان أو فلان لا شك أنه ينقص من اتجاهه إلى السنة ويغفل عنها حتى كأنك لتجده لا يطالع إلا كتب فقهاء مذهبه ويدع ما سواها وهذا في الحقيقة ليس بسبيلٍ جيد فالسبيل الجيد أن يتحرى الإنسان ويكون هدفه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقط سواءٌ وافق فلاناً أم خالفه ولا حاجة لي الآن إلى أن أسوق أقوال هؤلاء الأئمة في وجوب تلقي الشريعة من الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن نقلدهم وهذا أمرٌ معلوم يمكن الرجوع إليه في كتب أهل العلم والذي أعرف من المذهب الشافعي رحمه الله أنه يرى نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً إذا كان باليد ولكنه قولٌ مرجوح كما عرفنا مما قررناه سابقاً والله الموفق.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>