للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسأل ويقول في الفترة التي سبقت صلاتي كنت أقرأ القرآن واستمع لكل تلاوة في المذياع وبخشوع وأبكي دائماًَ وكان لذلك أثر في تأديتي للصلاة وأنا أسأل الآن هل لي أجر عند قراءة القرآن عند ما كنت لا أقيم الصلاة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل عندما كنت لا أقيم الصلاة إن عنى به أنه لا يأتي بها كاملة ولكنه مقصر في بعض الأمور فإن له أجر القراءة لأنه لم يوجد منه ما يمنع قبول قراءته ويحتمل أنه عنى بإقامة الصلاة أنه لم يفعلها من قبل ثم صار يفعلها كما هو ظاهر حاله في مقدمة كلامه فإذا كان الأمر كذلك فنصوص الكتاب والسنة على أن تارك الصلاة كافر والكافر لا يقبل منه عمل صالح لقول الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) ولأن من شرط صحة العبادة وقبولها أن يكون الإنسان مسلماً وقد تكلمت على هذا مراراً في هذا البرنامج واعتنيت بهذه المسألة وراجعت ما أمكنني من كلام أهل العلم في الكتب المدونة وباحثت من اتصل بي من أهل العلم في هذه المسألة وتبين لي بعد ذلك كله أن القول الراجح أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً لا يصلى أي صلاة منها لا جمعة ولا غيرها أن الراجح في هذا أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة.

قد يقول قائل: إن القول بتكفير تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة قد انفرد به الإمام أحمد رحمه الله وجوابنا على ذلك من وجهين:

الوجه الأول أن الإمام أحمد لم ينفرد بهذا بل قد سبقه إلى القول به الصحابة والتابعون وتابعوهم وقد حكى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق أحد التابعين الثقات فقال (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) وحكى إجماعهم إسحاق بن راهويه الإمام المشهور رحمه الله فالإمام أحمد مسبوق بهذا القول ولم ينفرد به رحمه الله.

الوجه الثاني فإننا نقول إن الإمام أحمد رحمه الله إذا انفرد بقول دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة عن الأئمة الثلاثة فإن هذا من مفاخره ومناقبه رحمه الله حيث اتبع النصوص والآثار في هذه المسألة وهذا واجب كل مسلم تبين له الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن الصحابة أن يقول به ولو خالفه من خالفه ولايحل لأحد تبين له صحة القول أن يدعه لملامة لائم أو شماتة شامت بل عليه أن يقول ما يرى أنه الحق وإن لامه من لامه أو شمت به من يشمت به وأنه إذا تبين الحق فلا مساغ للخروج عنه فالحكم بالتكفير أو عدمه حكم من أحكام الله عز وجل كالحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والبراءة فلا يسوغ لأحد أن ينفي الكفر عمن كفره الله ورسوله كما لا يسوغ لأحد أن يثبت الكفر لمن لم يكفره الله ورسوله ولو لم يكن من بركة بيان الحق في هذه المسألة إلا أن كثيراً من الناس لمّا سمع بهذا الخطر العظيم وهو متهاون في صلاته ارتدع وأقبل على الصلاة وعلى الدين كما هي حال هذا السائل الذي كان مدة طويلة لا يصلى فلما سمع هذا البرنامج وما ينشر فيه حول تارك الصلاة منّ الله عليه بالهداية وأنا لا أظن أن شخصاً في قلبه إيمان يسمع القول بتكفير تارك الصلاة ذلك القول المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة لا أظن من في قلبه إيمان أن يدع الصلاة بعد هذا أبداً بل سيحرص غاية الحرص على إقامتها وفعلها لئلا يدخل في عداد الكفار الذين قال الله فيهم (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) نسأل الله العافية وإذا تبين أن الإمام أحمد رحمه الله له سلف في القول بتكفير تارك الصلاة مستنداً بذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يعتبر من مناقبه ومفاخره رحمه الله على أن الأئمة الذين قالوا بعدم تكفير تارك الصلاة هم قد بذلوا جهدهم ولكن ليس كل مجتهد يكون مصيباًَ كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فكل من بذل جهده للوصول إلى حق محكماً بذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال ما يقتضيه الدليل عنده فإنه لن يخيب بل سيرجع إما بأجرين إن أصاب أو بأجر واحد إن أخطأ ولكن الخطر على من قال القول مداراة لأحد أو تعصباً لمذهب أو طلباً لدنيا يصيبها فإن هذا الذي يكون على خطر نسأل الله السلامة وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه ثم نعود إلى سؤال السائل من حيث أجر التلاوة له قبل أن يعود إلى الصلاة فنقول له إننا نرجو أن يثيبك الله عز وجل على هذه القراءة لأنك كنت تريد التقرب إلى الله ولعلك لم تكن تعلم أن حكم تارك الصلاة يبلغ إلى هذا الحد وفي السؤال ذكر أن الصلاة هي الركن الأساسي للإسلام ولا شك أن الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام وهي الركن الأساسي الثاني بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإننا لنسأل لأخينا السائل الثبات على دين الله والوفاة عليه وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين إنه جواد كريم.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>