للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا في قولهم؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: أما كونه صلى الله عليه وسلم يسمع ويرد فليس به غرابة، فقد روى أبو داود في سننه: (أنه ما من رجل يسلِّم على رجل في قبره وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) . فلا غرابة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام. وأما كونه حيّاً في قبره: فالشهداء أحياء عند الله، والله تبارك وتعالى لم يقل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء في قبورهم، بل قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن وصلى عليه صلاة الجنازة وخلفه من خلفه من أصحابه، وليسوا يقدمون له الأكل والشرب، وهم يعلمون أنه مات، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) . وكما قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) . وهذا أمر معلوم بالضرورة من الدين، ولا يماري فيه أحد، وحياة الشهداء عند الله عز وجل ليست كحياة الدنيا، أي: ليست حياة يحتاج فيها الإنسان إلى أكل وشرب أو هواء ويعبد ويدعو، هي حياة برزخية ,الله تعالى أعلم بكيفيتها. وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، يا رسول الله استغفر لي؛ لأن هذا غير ممكن، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، ولا يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وإذا أردت أن تسأل سؤالاً صحيحاً فقل: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، اللهم شفعه فيَّ، وما أشبه ذلك.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>