للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: آيات الأنبياء هي المعجزات، وسماها بعض المتأخرين معجزات، والصواب أنها آيات؛ لأنها جمعت بين أمرين: بين كون البشر لا يستطيعون مثلها وهذا إعجاز؛ وكونها دليلاً على نبوة هذا النبي ورسالته، وهذه آية علامة، ولهذا ينبغي أن نسمي ما تأتي به الأنبياء من المعجزات نسميها آيات كما سماها الله تعالى في كتابه. هناك معجزات وليست بآيات، لكنها من الشياطين: فالساحر ربما يُرى طائراً في الجو، وهذا معجز لا يستطيع البشر أن يفعلوه، لكنه من فعل الشياطين. وهناك كرامات يكرم الله بها من شاء من عباده الأولياء والصالحين، تكون معجزة لكنها آية على صحة ما كان عليه هذا الولي، وعلى صحة الشريعة التي كان يعمل بها، ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، ولا تزال فيها إلى يوم القيامة: في الأمم السابقة أصحاب الكهف، اعتزلوا قومهم المشركين وأووا إلى الغار، فهيأ الله لهم غاراً، وألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً، وفي هذه المدة لم يتغير منهم شيء، لم يحتاجوا لطعام ولا لشراب ولا لبول ولا لغائط، ولم تَنمُ أظفارهم ولا شعورهم، كأنما ناموا يوماً واحداً، ولهذا لما بعثهم الله عز وجل وأيقظهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) . مما يدل على أنهم لم يصبهم شيء من العوارض البشرية، لا جوع ولا عطش ولا بول ولا غائط، ولا نمو شعور ولا أظفار، حتى صلحت أحوال القرية وماتت سلاطينهم التي تعينهم على الشرك. مريم رضي الله عنها أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) . امرأة لتوها ولدت، وما أعلمك بالتعب عند الولادة، أمرت أن تهز جذع النخلة جذع النخلة، لو هزه أي إنسان ما يهز علوه، لكن هي قيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ففعلت (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) تسقط الرطب من فوق إلى الأرض ولا تفسد، مع أنها رطب لينة اصطدامها على الأرض يوجب أن تتقطع، لكن تبقى كأنها مجنية، كأن رجلاً خرقها (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) . هذه من الكرامات التي أكرم الله بها من شاء من عباده، في هذه الأمة موجودة: كان سارية بن زنيد أميراً على سرية في العراق، وكان عمر رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة، فسمعوه يقول: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! أمير المؤمنين يخطب ثم يقول هذا الكلام، ما هذا؟ فأخبرهم أنه كشف له عن هذا في سريته والعدو محيط به، فناداه عمر: يا سارية الجبل! يعني: ارجع إلى الجبل، فسمع سارية، فهذه ثلاثة أشياء: كشف لعمر فشاهدهم، ناداهم فسمعوه، لجؤوا إلى الجبل بقيادة السلطان وهو على منبر، سبحان الله! كرامة من الله عز وجل. ولهذا كان من مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ولكن الولي من هو؟ هل كل من ادعى الولاية هو ولي؟ ليس كل من ادعى الولاية هو ولياً، قال الله عز وجل: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:٦٢- ٦٣) . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>