للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخرت ذات يومٍ عن صلاة الظهر فلم أصلها إلى أن جاء وقت العصر لسببٍ من الأسباب فأتيت المسجد وإذا الجماعة يصلون العصر فهل يجوز في هذه الحالة أن أصلى العصر معهم ثم أصلى بعدهم صلاة الظهر أم أصلى معهم بنية الظهر وهم بنية العصر ولا يؤثر اختلاف النية هنا؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن قولك أخرت صلاة الظهر إلى صلاة العصر لسببٍ من الأسباب لم يتبين لنا هذا السبب فإن كان هذا السبب عذراً شرعياً فإن له حكماً وإن كان السبب غير شرعيٍ فإن صلاتك الظهر لا تجزئك إذا أخرتها عن وقتها بدون عذرٍ شرعي وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما وقع منك ولا تنفعك الصلاة حينئذٍ لأنك تعمدت تأخيرها عن وقتها فإذا قدرنا أن السبب الذي أخرت من أجله صلاة الظهر إلى صلاة العصر كان سبباً شرعياً وأتيت إلى المسجد وهم يصلون صلاة العصر فأنت بالخيار إن شيءت فصلِّ معهم بنية العصر فإذا فرغوا فأت بالظهر ويسقط الترتيب حينئذٍ لئلا تفوت الجماعة وإن شيءت فصلّ معهم الظهر أي بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر ولا يضر اختلاف النية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا) فبين صلى الله عليه وسلم معنى الاختلاف عليه ولهذا جاءت لا تختلفوا عليه ولم يقل لا تختلفوا عنه بل قال لا تختلفوا عليه مما يدل أن المراد المخالفة في الأفعال وقد فسر ذلك في نفس الحديث وقال (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا) إلى آخره أما النية فإنها عملٌ باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولو اختلفت وعلى هذا فإنك تدخل معهم بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر ثم إذا انتهوا من الصلاة تأتي أنت بصلاة العصر وهذا عندي أولى من الوجه الذي قبله.

فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن الجماعة يصلون النافلة وهو فاتته فريضة فانضم معهم هل يؤثر أيضاً اختلاف النية بين الفرض والنفل؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً لا تأثير له فيجوز أن يصلى الإنسان فرضاً خلف من يصلى نافلةً ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة فتكون له نافلةً ولهم فريضةً وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن قال قائلٌ لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فالجواب على ذلك من وجهين

الأول أن نقول يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به لا سيما وأنه قد شكي إليه في الإطالة حين صلى بهم ذات ليلةٍ فأطال ثم دعاه النبي عليه الصلاة والسلام ووعظه والقصة معروفة فيبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بحال معاذ رضي الله عنه

والوجه الثاني أنه على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بصنيع معاذ هذا فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به ولم ينزل وحيٌ من الله تعالى بإبطال هذا العمل ولهذا كل ما جرى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فإنه حجة لإقرار الله له والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل وإن خفي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضي الله عز وجل والناس لا يعلمون به بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه فدل هذا على أن ما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة وإن لم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به حجة بإقرار الله له فالمهم أن فعل معاذٍ رضي الله عنه هذا حجة على كل تقدير وهو يصلى نافلة وأصحابه يصلون وراءه فريضةً إذاً فإذا صلى شخصٌ وراء قومٍ يصلون نافلة وهو يصلى فريضة فلا حرج في ذلك ولهذا نص الإمام أحمد على أن الرجل إذا دخل في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلى خلف الإمام بنية صلاة العشاء فإذا سلم الإمام من الصلاة التي هي التراويح أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء وهذا فرضٌ خلف نافلة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>