للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما هو سجود السهو ومتى يجب وكيف أداؤه وهل هو قبل السلام أو بعده وكيف أعمل إذا كنت لا أدري هل أنا سجدت سجدتين أو سجدة أو ركعت ركعتين أو ركعة أو قرأت الفاتحة أم لا أو قرأت التحيات؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: سجود السهو هو سجدتان يسجدهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان إن تبين انتفاء السبب الذي من أجله سجد وإما تكميلاً لصلاته كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام (إن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان وإن كان صلى خمساً شفعن صلاته) فهذا هو الأصل في سجود السهو أنهما سجدتان يفعلهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان وإما إكمالاً لصلاته وإتماماً لها.

ويجب سجود السهو في الإطار العام لكل أمر يُبطل الصلاة تَعَمّدُه فكل شيءِ إذا تعمده المصلى أبطل صلاته إذا سها عنه وجب عليه سجود السهو من أجله هذا هو الأصل العام فيما يجب به سجود السهو.

أما أداؤه فتارةً يكون قبل السلام وتارةً يكون بعد السلام فيكون قبل السلام في موضعين أحدهما إذا كان سببه نقصاناً في الصلاة والثاني إذا كان سببه شكاً تساوى طرفه ولم يترجح أحدهما على الآخر مثال ذلك نسي التشهد الأول في الثلاثية أو الرباعية فلم يجلس ولم يتشهد فهنا يجب عليه سجود السهو ويكون قبل السلام لأنه نقص في صلاته التشهد الأول وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن بحينة (حين صلى بهم صلاة الظهر فقام من الركعتين ولم يجلس فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم) هنا صار السجود قبل السلام ودليله هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن المعنى أيضاً يقتضي ذلك لأن هذا النقص ينبغي أن لا يخرج الإنسان من صلاته حتى يتمه فلهذا شُرع السجود له قبل السلام

أما المسألة الثانية فهي إذا شك شكاً تساوى طرفاه ولم يترجح عنده أحد الأمرين مثال ذلك شك هل ركعته هذه هي الثالثة أو الرابعة ولم يترجح عنده أحد الطرفين فهنا يبني على اليقين واليقين هو الأقل فيجعل هذه الركعة الثالثة ثم يأتي بالرابعة ويجلس ويتشهد التشهد الأخير ويسجد سجدتين قبل أن يسلم وإنما كان سجود السهو قبل السلام لأن هذا الشك الذي طرأ على هذه الركعة حتى اشتبه على المرء أهي من صلاته أم زائدة لاشك أنه يُخل بالصلاة فلذلك شُرع أن يكون السجود قبله من أجل أن يجبر الصلاة قبل أن يخرج منها وأما السجود بعد السلام فيكون في موضعين أيضاً أحدهما إذا زاد في صلاته والثاني إذا شك شكاً ترجح عنده فيه أحد الطرفين فالسجود هنا يكون بعد السلام أما الأول وهو أن يكون سبب سجود السهو الزيادة فمثاله أن يصلى الإنسان خمس ركعات في الظهر فإذا جلس للتشهد ذكر أنه صلى خمساً فهنا نقول له أكمل التشهد وسلم ثم اسجد سجدتين بعد السلام وسلم وكذلك أيضاً لو ركع في الركعة الواحدة ركوعين أو سجد ثلاث سجدات فهذه زيادة فيكون السجود لها بعد السلام أو قام إلى زائدة مثل أن يقوم إلى الخامسة في الرباعية ثم يذكر فيرجع فإنه إذا سلم سجد سجدتي السهو دليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً فلما انصرف قيل له يا رسول الله زيد في الصلاة قال وما ذاك قال صلىت خمساً فثنى رجليه صلى الله عليه وسلم ثم سجد سجدتين بعد ما سلم ثم أقبل على الناس وأخبرهم بأنه بشر وينسى كما ينسون) إلى آخره فهنا سجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام لأنه زاد في صلاته ركعة قد يقول قائل إن السجود هنا بعد السلام أمر لابد منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بالزيادة إلا بعدما سلم فلا يمكن أن نجعل هذا قاعدة ونقول إذا كان سجود السهو عن زيادة فإنه يكون بعد السلام قد يقول قائل هكذا فيبطل استدلالنا بهذا الحديث على أن سجود السهو للزيادة يكون بعد السلام فنقول مجيبين عليه إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام ولما لم يقل إنما سجدت بعد السلام لأني لم أعلم فاسجدوا قبله علم بأن هذا محله لأنه لو لم يكن محلاً له لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الناس سوف يقتدون به ثم إن له شاهداً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه (حين صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم من ركعتين ثم نبهوه فأتم صلاته وسلم وسجد سجدتين بعد السلام) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم السجود لهذه الزيادة التي حصلت منه وذلك بالتسليم وزيادة التشهد والجلوس مدة أطول مما لو كان جلوسه للتشهد الأول جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل سجود السهو في هذه الصورة بعد السلام وهذا يؤيد تماماً ما فعله في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأن السجود يكون بعد السلام ثم المعنى أيضاً يقتضي ذلك فإن الزيادة الموجبة لسجود السهو لو قلنا بأن سجودها يكون قبل السلام اجتمع في الصلاة زيادتان الزيادة التي زادها سهواً وسجود السهو وهذا لا يتناسب ولذلك جعلت السجدتان للسهو بعد السلام إذن ينبغي أن نضبط هذه الحال بأن نقول إذا كان سبب سجود السهو الزيادة فعلية كانت كالركعة أو الركوع أو السجود أم قولية كالتسليم قبل تمام الصلاة ثم يتم بعد أن يعلم فإن محل السجود فيها بعد السلام.

المسألة الثانية إذا كان سجود السهو عن شك ترجح أحد طرفيه فهنا يبني على ما ترجح عنده ثم يسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام ودليله حديث عبد الله بن مسعود الذي أشرنا إليه قبل فإن في آخره (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحّر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين) وأظنه قال ويسلم على هذا فيكون الشك إذا شك الإنسان هل صلى أربعاً أو ثلاثاً وترجح عنده أنها ثلاث أتى بالرابعة ثم سلم ثم سجد للسهو ثم سلم وإذا شك هل صلى أربعاً أو خمساً ثم ترجح عنده أنه صلى أربعاً فإنه يجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين ويسلم فعلى هذا يكون حكم هذه المسألة إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين أن يبني على الراجح عنده ثم يتم صلاته ثم يسجد سجدتين بعد السلام وإنما كان الأمر كذلك من حيث المعنى أي أنه إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين يكون السجود بعد السلام لأن هذا الشك طارئ على الصلاة وهو سيبني على غالب ظنه فسيكون هذا الشك الطارئ الذي اعتبرناه وهماً لا عمل عليه فيكون زائداً فهو كالزيادة القولية أو الفعلية ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل السجود فيه بعد السلام.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>