للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري. إذاً فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك: فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك، ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلاً أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلاً والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع، ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلماً والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) ، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) . والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا، ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبداً؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلاً عن الشرع. ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟ والجواب: لا، إنك ما أردت شيئاً إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . فإذا أراد الإنسان أن يأكل فأكل علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته أن يريد الأكل فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري واشترى وباع علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرّاً فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة، ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئاً إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة على العاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك. لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة مسير أو مخير ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبداً لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، وكفر الإنسان باختياره وإيمانه باختياره، وليس المعنى بالاختيار يعني أنك إن شيءت فآمن وإن شيءت فاكفر، لا، المعنى: أن وقوع الكفر باختيارك ووقوع الإيمان باختيارك. وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئاً وفعله فهو بإرادة الله السابقة عليه. نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلاً وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملاً ناسياً هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>