للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في ذلك أن نقول للإنسان: ارجع إلى نفسك لا تسأل أحداً غيرك: هل أنت تفعل ما تفعله مكرهاً عليه أم تفعل ما تفعله باختيارك؟ هل إذا توضأت في بيتك وخرجت إلى الصلاة وصلىت مع الجماعة هل أنت مكره على هذا أو فعلته باختيارك؟ هل أنت إذا خرجت إلى سوقك وفتحت متجرك وبعت واشتريت هل أنت مجبر على ذلك أو فاعله باختيارك؟ هل أنت إذا أردت أن تقرأ في مدرسة معينة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعية أو أعلى من ذلك دراسات عليا هل أنت تفعل ذلك باختيارك أو تفعله مجبراً على هذا؟ إني أتعجب أن يرد هذا السؤال من شخص يعلم نفسه ويعلم تصرفه ثم يقول: هو مسير أو مخير؟ كل يعلم الفرق بين ما يفعله الإنسان باختياره وإرادته وطوعه وبين ما يكره عليه. والمكره على الفعل لا ينسب إليه الفعل ولا يلحقه به إثم، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو كان الإنسان مكرهاً على عمله لكانت عقوبة العاصي ظلماً؛ لأنه يقول: يا رب أنا مكره ليس لي اختيار. ولو كان الإنسان مجبراً على عمله لكانت كتابة حسناته عبثاً؛ لأنه يثاب على شيء ليس من فعله ولا من اختياره. فعلى أخي السائل وغيره من المسلمين أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يعلموا أنهم غير مجبرين على الفعل، بل هم يفعلون الشيء باختيارهم من غير أن يكرهوا عليه. ولكن فليعلم أن ما يقع منا من فعل فإنه بقضاء وقدر سابق من الله عز وجل، وبمشيئة الله سبحانه وتعالى واقع، فالقدر قدر الله ومشيئته لا يعلم تحققهما إلا بعد فعل العبد. هذا وقد ذكر علماء أهل السنة أن للقدر مراتب: أولها: العلم، بأن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شي جملة وتفصيلاً أزلاً وأبداً، فلا يضل ربي ولا ينسى، ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء. والثاني: الكتابة: أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. والثالث: المشيئة أن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى. والمرتبة الرابعة: الخلق: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا الله خالقه جل وعلا. والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها رسول الله صلى عليه وآله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>