للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السائل من جمهورية مصر العربية يقول يوجد إمام لأحد المساجد يتوسل بالرسول والأولياء والصالحين فهل يجوز لنا أن نصلى خلفه؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم إن كان توسلا بمحبته والإيمان به واتباعه فهذا لا بأس به مثل أن يقول القائل اللهم إني أسألك بمحبتي لرسولك أن ترزقني ما أحب من خيري الدنيا والآخرة أو بالإيمان بالرسول بأن يقول اللهم إني أسألك بأني مؤمن بك وبرسولك أن تغفر لي ومن ذلك قوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) كذلك التوسل باتباع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اللهم بما أنعمت علي من اتباع رسولك أسألك اللهم أن تنعم علي بالنجاة من النار ودخول الجنة وما أشبه ذلك أما التوسل بالرسول نفسه أو بجاه الرسول فإنه بدعة ولا يجوز للإنسان أن يتوسل به وذلك لأن التوسل اتخاذ وسيلة توصل إلى المقصود ولا يمكن أن نحكم على شيء بأنه وسيلة يوصل إلى المقصود إلا بدليل من الشرع ولم يرد في الشرع التوسل بذات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بجاهه وكما أن التوسل بالرسول عليه الصلاة السلام بذاته أو بجاهه لا أصل له من الشرع فهو أيضا لا أصل له من العقل لأن ذات الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفيد شيئا بالنسبة للمتوسل وكذلك جاهه عند الله ومنزلته عند الله لا تفيد المتوسل شيئا إنما تفيد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فلا يتوسل الإنسان بالنبي ولا بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما يتوسل بالإيمان به ومحبته واتباعه وإنني بهذه المناسبة أود أن أقول إن التوسل نوعان

نوع جائز مشروع ونوع محرم ممنوع فالجائز على أنواع:

النوع الأول التوسل إلى الله تعالى بأسمائه ومنه حديث عبد الله بن مسعود (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك إلى آخر الحديث) .

الثاني التوسل إلى الله تعالى بصفاته مثل (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) فإن العلم والقدرة من صفات الله تعالى.

ثالثا التوسل إلى الله تعالى بأفعاله كما في قول المصلى في التشهد (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) .

الرابع التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به كما في قوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

الخامس التوسل إلى الله تعالى بطاعته كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين لجؤوا إلى الغار فانطبقت عليهم صخرة من الجبل ومنعتهم الخروج فتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بصالح من عمله ففرج الله عنهم.

السادس التوسل إلى الله تبارك وتعالى بحال الداعي كما في قوله تبارك وتعالى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وكما في قول أيوب (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ومن ذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رضي الله عنه حين قال علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذه كلها توسلات جائزة.

أما الممنوع فالتوسل إلى الله تعالى بما لا يرضاه الله كتوسل المشركين بأوثانهم وأصنامهم إلى الله عز وجل حيث قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وكذلك التوسل بغير ما جعله الله تعالى سببا يوصل إلى المقصود ومنه ما أسلفناه في هذا الجواب من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بذات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا تبين أن التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممنوع فالتوسل بمن دونه أشد منعا كأن يتوسل بالصالحين والأولياء وما أشبه ذلك لكن التوسل بدعاء الحي لا بأس به مثل أن يقول رجل لآخر مرجو الإجابة يا فلان أدعُ الله بكذا وكذا ومنه توسل الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره بأن الناس قد تضرروا بتأخر نزول المطر وطلب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو الله أن يغيثهم ففعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما التوسل بالأولياء بعد موتهم فهو نوع من الشرك وإن اعتقد أنهم يفعلون فهو شرك أكبر.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>