للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامداً بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ؟ وإن لم يكن داخلاً فما معنى هذه الآية إذاً؟

فأجاب رحمه الله تعالى: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جاداً أو مازحاً، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمناً بالله عز وجل وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين؟ كيف يكون مؤمناً وهو يسب ديناً قال الله فيه: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) ؟ وقال الله تعالى فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ؟ وقال الله فيه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ؟ كيف يكون مؤمناً من سب هذا الدين ولو كان مازحاً؟ إذا كان قد قصد الكلام فإن من سب دين الإسلام جاداً أو مازحاً فإنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل. وسب الدين مازحاً أشد من سبه جاداً وأعظم، ذلك لأن من سب شيئاً جاداً وكان هذا السب واقعاً على هذا الشيء فإنه قد لا يكون عند الناس مثل الذي سبه مازحاً مستهزئاً وإن كان فيه هذا الشيء، والدين الإسلامي والحمد لله دينٌ كامل كما قال الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) . وهو أعظم منةٍ منَّ الله بها على عباده كما قال: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) . فإذا سبه أحد ولو مازحاً فإنه يكفر، فعليه أن يتوب إلى الله ويقلع عما صنع، وأن يعظم دين الله عز وجل في قلبه حتى يدين الله به وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين. أما شيءٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍ بدون قصد بل سبقاً على اللسان فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصداً وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإن هذا لا يضر، ولهذا ثبت في الصحيح في قصة (الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح) فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام. الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحٌ غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافراً؛ لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقاً، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله وبلى والله، يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد فإنه لا يعتبر له حكم. وقد يقال: إن الإنسان قد قال في حديثه: لا والله وبلى والله إنه قصد اللفظ لكن ما قصد عقد اليمين، فإذا كان هذا فإنه يفرق بين حكم اليمين وبين الكفر، فالكفر ولو كان غير قاصدٍ للسب يكفر ما دام قصد الكلام واللفظ.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>