للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين.]

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مهم سؤال عظيم لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصراً في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، ومن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت) . وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وقال الله تبارك تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) . وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) . والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك في السنة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . ولكن قد يكون الإنسان مقصراً بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبراً عما بلغه من الحق، فيبين له الحق ولكنه يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . كما يوجد من كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك، يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، فالمسألة مسألة خطيرة عظيمة يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاءً عامّاً بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غايتهم في الجهل: منهم الجاهل مطلقاً جهلاً مطبقاً لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكنه عنده استكبار عن الحق، ومنهم من هو بين ذلك. فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>