للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل يحتمل أن يريد بقوله: نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر أو أنثى. ويحتمل أن يكون مراده تحديد نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر وأنثى، أن يجعلوا هذه الأنثى ذكراً، أو أن يجعلوا الذكر أنثى. أما الأول- وهو: العلم بأن الجنين ذكر أو أنثى- فهذا كما قاله السائل، قد اشتهر أنهم يعلمون ذلك، وهذا العلم لا ينافي ما جاءت به النصوص من كون الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الأرحام، فإن الله تعالى يعلم ما في الأرحام بلا شك، ولا ينافي علمه بذلك أن يكون أحدٌ من خلقه يعلمه، فالله يعلم وكذلك غيره يعلم. لكن المعلوم الذي يتعلق بالجنين ينقسم إلى قسمين: قسم محسوس يمكن للخلق أن يعلموا به، كالذكورة والأنوثة، والكبر والصغر، واللون، وما أشبه ذلك، فهذا يكون معلوماً عند الله عز وجل، ويكون معلوماً عند من يتوصل إلى علمه بالوسائل الحديثة، ولا منافاة بين الأمرين. وأما المعلوم الثاني للجنين فهو المعلوم الذي ليس بمحسوس يدرك، وهو علم ماذا سيكون مآل هذا الجنين: هل يخرج حياً أو ميتاً؟ وإذا خرج حياً هل يبقى طويلاً في الدنيا أو لا؟ وإذا بقي فهل يكون عمله صالحاً أم سيئا؟ ً وإذا بقي أيضاً فهل يكون رزقه واسعاً أو ضيقاً؟ وما أشبه ذلك من المعلومات الخفية التي ليست بحسية، فهذا النوع من العلوم المتعلقة بالجنين هذا لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعلمه، ومن ادعى علمه فهو كاذب، ومن صدقه في ذلك فقد كذب قول الله عز وجل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . أما الاحتمال الثاني ما يحمله سؤال السائل أنهم توصلوا إلى أن يجعلوا الذكر أنثى أو الأنثى ذكراً، فهذا لا يمكن؛ لأن هذا يتعلق بخلق الله عز وجل، وهو الذي بيده التذكير والتأنيث، فلا يمكن لأحد من المخلوقين أن يجعل ما قدره الله ذكراً أنثى، ولا يمكن أن يجعل ما قدره الله أنثى ذكراً، يقول الله عز وجل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) . وكذلك الآية التي ساقها السائل: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) . فالذي أقوله الآن: إن هذا أمر غير ممكن، وكما أنهم لا يستطيعون أن يجعلوا الذكر المولود أنثى والأنثى المولودة ذكراً، فكذلك لا يمكنهم أن يجعلوا الجنين الذي قدره الله ذكراً أن يجعلوه أنثى أو العكس، هذا ما أعتقده في هذه المسألة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>