للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، ويمكثون أياماً عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله؟

فأجاب رحمه الله: الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعاً سفه عقلاً؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) . والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسباباً، فالشفاء بها من شفاء الله عز وجل، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقاً وشافياً، وهذا شرك في ربوبية الله سبحانه وتعالى. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سبباً للشفاء من هذا المرض. وأخيراً أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور) ، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) . وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله عز وجل، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله عز وجل، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . نسأل الله لنا ولهم الهداية.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>