للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله عز وجل، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله عز وجل في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله سبحانه وتعالى. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائماً محترزاً من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبراً من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئاً إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله. ثم إني أيضاً أنصح من أراد الحلف بالله عز وجل أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يوماً: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتماداً على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركاً لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله) . فانظر كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>