للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت) . والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبراً خاصّاً من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له تبارك وتعالى، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضاً دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقاً، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقاً، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبداً مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً، إذا كان هذا الميت لو كان حيّاً ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حياً لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتاً؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله عز وجل في كتابه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>