للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنة أبداً، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة) . فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة) - صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة: (كل بدعةٍ ضلالة) . فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئاً يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئاً وهو بدعة يظنه حسناً وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسناً فهذا لا يمكن أبداً. فمثلاً قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصوداً في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفراداً أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعاً، فجمعهم عمر رضي الله عنه على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال: (نعمت البدعة هذه) . فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال: (خشيت أن تفرض عليكم) . فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفراداً وأوزاعاً إلى عهد عمر رضي الله عنه، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديداً. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر رضي الله عنه أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل بدعةٍ ضلالة) ، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسناً وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>