للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستمع للبرنامج محروس إبراهيم من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرة يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في أناس يمدحون الرسول أقصد الشيوخ الذين يمدحون الرسول وهم يستعملون المزمار والعود والطبلة؟ وأيضاً ماحكم المقرئين الذين يشترطون على عائلة المتوفى من أجرهم؟ وهل هناك فصال في كتاب الله؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا السؤال تضمن مسألتين: المسألة الأولى: أولئك الشيوخ الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحاً مقروناً بآلات اللهو، فنقول في الجواب على هذا: أولاً هذه المدائح هل هي مدائح حق لا تخرج إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو هي مدائح تتضمن الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينزل فوق منزلته التي أنزلها الله إياه، كالمدائح التي تجعل للنبي صلى الله عليه وسلم حظاً من التصرف في الكون، بل ربما تجعل الكون كله عائداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقول بعضهم: فإن من جودك الدنيا- يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم-:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

فإن هذه المدائح وأمثالها كفر بالله عز وجل، سواء اقترنت بآلة لهو أم لم تقترن، ولا يحل لمؤمن أن يقولها في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لتطهير الناس من مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى شرك المخلوق بالخالق فيما يستحقه سبحانه وتعالى. ثانياً إذا كانت هذه المدائح مدائح حق لا غلو فيها ولكنهم جعلوها مصحوبة بهذه المزامير وآلات اللهو فإن هذا محرم؛ لأنها اقترنت بما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن المعازف وآلات اللهو كلها حرام، إلا ما استثني منها من الدفوف في الأوقات التي أبيحت فيها، ويدل لتحريمها ما رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) . والمعازف هي آلات اللهو كما ذكر ذلك أهل العلم، وفي قرنها بالزنى وشرب الخمر دليل على قبحها وتأكد تحريمها، فهؤلاء الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدائح المقرونة بآلات اللهو كأنما يسخرون به صلى الله عليه وسلم، حيث مدحوه وعظموه بما حرمه على أمته ومنعهم منه. أما المسألة الثانية مما تضمنه هذا السؤال فهو قراءة القراء القرآن للأموات بعد موتهم، وأخذهم الأجرة على ذلك، فإن هذا أيضاً من الابتداع في دين الله عز وجل، وقراءة القارىء الذي لا يقرأ إلا بأجرة ليس فيها ثواب؛ لأن قراءة القرآن عمل صالح، وإذا أريد بالعمل الصالح الدنيا حبط وبطل أجره كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . وإذا بطل أجره- أي: أجر هذا القارىء بالأجرة- لم يحصل للميت انتفاع من قراءته، وحينئذٍ يكون هؤلاء الذين استأجروا القارىء ليقرأ القرآن لميتهم قد خسروا في الدنيا والآخرة: أما خسارتهم في الدنيا فهي بذل المال في أمر لا ينفع الميت، وأما خسارتهم في الآخرة فلأنهم استأجروا هذا الرجل أن يقرأ كتاب الله بعوض من الدنيا فأعانوه على الإثم، ومن يعين على الإثم آثم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وإن نصيحتي لهذين الصنفين من الناس- الصنف الأول: أولئك المداحون الذين يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نهاهم عنه من الغلو فيه، أو الذين يمدحونه مدحاً مقتصدين فيه ولكنهم يقرنونه بما نهى الله عنه. وكذلك الصنف الثاني: الذين يقرؤون القرآن في المآتم للأموات بالأجرة- أنصحهم جميعاً أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكونوا في عباداتهم القولية والفعلية والاعتقادية متمشين على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي التمسك بها خير وفلاح في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر وإن كان قد يشق عليهم، بل وإن كان الشيطان قد يريهم أن ذلك شاق عليهم، وأنهم يطلبون به بما يطلبونه من المال والجاه فليصبروا على ذلك وليحتسبوا ثواب الله عز وجل الذي لا حصر له ولا نهاية (إِنَما يُوفى الصَّابرون أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابْ) . وليصبروا على ترك هذه الأمور المحرمة حتى يكونوا أئمة يهدون بأمر الله وكانوا بآيات الله يوقنون.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>