للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بارك الله فيكم المستمع فلاح من العراق يقول في سؤاله هذا: في يوم الخميس وقبل صلاة العشاء يقوم المؤذن في المسجد بعمل المديح للرسول والدعاء، وغالباً ما يكون في هذا المديح من شعائر الصوفية كقولهم: يا حبيب الخلق ما لي سواك. ما التوجيه؟ جزاك الله خيراً ونفع بعلمكم

فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا شك أنه بدعة منكرة يجب النهي عنها والبعد عنها، وذلك لأنها لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سنة الخلفاء الراشدين، وما عدا ذلك فهو بدعة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ونحن نعلم ونشهد الله عز وجل أننا لسنا أشد حرصاً من الصحابة على عبادة الله عز وجل، ولسنا أعلم بما يحبه الله من الصحابة رضي الله عنهم، ولسنا أشد تعظيماً لله من الصحابة رضي الله عنهم، وهذه أمور مسلمة لا يمتري فيها أحد، وإذا كانت هذه الأمور مسلمة ولم يحصل من الصحابة عمل سوى ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا بأن الخير في اتباعهم، كما قال الله عز وجل: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فالواجب على جميع المسلمين أن يتحروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيتبعوها، وأن يبتعدوا عن البدع التي لا تزيدهم من الله إلا بعداً، مع ما فيها من العناء والمشقة وإفساد القلوب. ثم إن في هذا القصيد الذي أشار إليه السائل ما هو شرك لله عز وجل، بل نسيان لله عز وجل، كما في قوله: يا حبيب الخلق ما لي سواك، فأين الله؟ إن هذا الرجل الذي يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بأنه ليس له سواه يعني أنه نسي الله عز وجل، وأن الله تعالى في نظره لم يكن شيئاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ينفع ويضر وهو الذي يُدعى ويُستغاث به، وهذا بلا شك من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، فمن قاله معتقداً مدلوله فإنه لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج وعمله مردود عليه حتى يتوب إلى الله، ويجب على المسلمين أن يعرفوا الأمر على حقيقته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ رسولٌ، وأشرف أوصافه أن يكون عبداً رسولاً، وأنه لا حق له في شيء من خصائص الربوبية، بل قد قال الله آمراً إياه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فأمره الله أن ينفي ذلك عن نفسه، وأن يبين أنه عبد مأمور مؤتمر: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال الله تعالى له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً? قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً? إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . فأمره الله أن يقول: إنه لا يملك لأحد ضرّاً ولارشداً، بل هو نفسه لا يملك أن يدافع عن نفسه: (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً) . وأن يبين للناس أنه ليس إلا رسولاً يبلغ رسالة ربه: (إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . والاستثناء هنا منقطع، فـ (إِلاَّ) فيه بمعنى لكن. وقال الله عز وجل آمراً إياه أيضاً: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والحوادث الواقعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، التي تدل على أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا يعلم الغيب كثيرة أيضاً، فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم وأن يعلم أن هذا الغلو الذي يغلو فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يكرهها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقرها، بل ينهى عنها عليه الصلاة والسلام، وإذا كان صادقاً في محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم على ما جاء من شرعه دون تجاوز أو تقصير، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وإن الإنسان ليأسف إذا سمع ما يحدث في كثير من البلاد الإسلامية من الغلو برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك ينبئ عن أحد أمرين لا مناص منهما: إما قصور في علم من عندهم من أهل العلم، وإما تقصير من أهل العلم في إبلاغ الحق لهؤلاء العوام الذين يقعون في الشرك الأكبر وربما لا يشعرون. فالواجب على أهل العلم الذين حملَّهم الله إياه وأخذ عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وأن يدعوا الناس إلى الحق، وأن لا يداهنوا في دين الله، وأن لا يراعوا ضمائر الناس الجهال الذين لا يعلمون عن الحق شيئاً، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا مانع من أن يتبعوا الطريق التي يكون بها حصول المقصود ولو على الزمن الطويل، بل قد تتعين هذه إذا لم تكن وسيلة أقرب منها، وأما السكوت، وترك العامة على ما هم عليه بموافقتهم ومصاحبتهم في هذا الأمر فهو أمر يؤسف له. ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة حتى تعود- بل في الأصح: حتى تتقدم- إلى ما كان عليه السلف الصالح من تحقيق عبادة الله عز وجل والإخلاص له، وتحقيق متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل الصلاح.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>