للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السائل سيد محمد من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز؟ نرجو أن توضحوا لنا ذلك يا فضيلة الشيخ مع الدليل الواضح؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل إلى الله سبحانه وتعالى هو أن يذكر ما يوصله إلى مقصوده، فإن ذكر ما لا أثر له في ذلك متوسلاً به إلى الله فإن هذا التوسل بدعة. وبناءً على هذا نقول: التوسل بالأنبياء إن كان المراد التوسل باتباعهم ومحبتهم والإيمان بهم فهذا لا بأس به وهو أمر مشروع، ولكنه لا ينبغي للمتوسل أن يقول: أتوسل إليك بنبيك أو بأنبيائك أو ما أشبه ذلك، بل يقول: أتوسل إليك بمحبة أنبيائك واتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحذف المضاف بل يذكره؛ لأنه إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك فقد يظن الظان أنه توسل بدعي، والتوسل البدعي هو يتوسل بذوات الأنبياء فيقول: أسألك بنبيك أسألك بأنبيائك أسألك بجاه نبيك أسألك بجاه أنبيائك وما أشبه ذلك، فإن هذا التوسل بدعي، وذلك لأن هذا التوسل لا يوصل إلى المقصود، إذ إن جاه النبي لا ينفعك فلا يصح أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك، وجاه الأنبياء إنما يختص بهم فقط. وعلى هذا فمن سمعته يقول: أتوسل إليك بالأنبياء فلا تحكم عليه ببدعة ولا سنة، قل: ماذا تريد؟ إذا قال: أنا أريد أن أتوسل بذات الأنبياء وأشخاصهم فقل: هذا بدعة، وإذا قال: أريد أن أتوسل إليه بجاه الأنبياء؛ لأن لهم جاهاً عند الله قل: هذا بدعة أيضاً؛ لأن هذا ليس بوسيلة ولا ينفعك. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بحبي لهم فهذا حق؛ لأن محبة الأنبياء عبادة توصل إلى المقصود وتؤثر في إجابة الدعوة. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بالإيمان بهم فهذا حقيقة؛ لأنه عبادة، كما قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ... ) إلى آخره. إذا قال: أتوسل إليك باتباع الأنبياء نقول: هنا يجب التوقف؛ لأن الأنبياء السابقين لا يلزم اتباعهم فيما يخالف شرعنا، ولكن قل: أتوسل إليك باتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذٍ يكون صحيحاً وإني بهذه المناسبة أود أن أبين أن التوسل منه ممنوع ومنه جائز. فالممنوع: أن يتوسل بما ليس بوسيلة؛ لأن التوسل بما ليس بوسيلة إما بدعة وإما شرك، والتوسل الجائز: أن يتوسل بما هو وسيلة، وهو أنواع: النوع الأول: أن يتوسل إلى الله بأسمائه فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، فهذا جائز؛ لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والحزن أن يقول: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك......) إلى آخره.

الثاني: هو التوسل إلى الله بصفاته، فهذا أيضاً جائز مشروع مثل: (اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أن تحييني ما علمت الحياة خيراً لي، وأن تتوفاني ما علمت أن الوفاة خير لي) ، فهذا توسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قول القائل: يا رحمان برحمتك أستغيث. الثالث: أن يتوسل إلى الله بأفعاله بأفعال الله فتقول: اللهم كما أنعمت علي بالمال فأنعم علي بالعلم، أو تقول: اللهم كما أنعمت علي بالعلم فأنعم علي بالمال الذي يكفيني عن خلقك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) فإنه هنا توسل إلى الله بفعله السابق الذي أنعم به على إبراهيم وآل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: أن يتوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قول أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به. الخامس: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح، ومنه قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) . ومنه حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين أووا إليه، فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عن دفعها، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم بالبر التام، وتوسل الثاني بالعفة التامة، وتوسل الثالث بالأمانة، ففرج الله عنهم. السادس: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بذكر حاله، وأنه فقير ظالم لنفسه محتاج لربه، ومنه قول موسى عليه الصلاة السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومنه قول الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي) ، فهذا توسل إلى الله تعالى بحال الداعي. السابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، مثل قول الرجل الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ودعا، وهذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفع عام للمسلمين. وأما سؤال الرجل من يعتقد فيه صلاحاً أن يدعو له هو بنفسه فالأفضل تركه؛ لأن هذا فيه نوع من السؤال الذي يوجب ذل السائل أمام المسؤول، وربما يكون فيه اغترار للمسؤول، حيث يرى نفسه أنه رجل صالح يسأل الدعاء، وفيه أيضاً أن الإنسان قد يتكل على طلبه من هذا الرجل الصالح أن يدعو له فلا يدعو هو لنفسه. وأما ما يذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: (لا تنسنا يا أخي من دعائك) فهذا ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما جاء في الحديث من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم -من أدرك أويساً القرني أن يطلب منه الدعاء- فهذا خاص به، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً أن يطلب من صالح من الصحابة أن يدعو له، والصحابة أفضل من أويس القرني كأبي بكر، عمر، عثمان، علي، ابن مسعود، ابن عباس وغيرهم من الصحابة أفضل من أويس بلا شك، ومع ذلك لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام لأحد من الناس: من لقي أبا بكر فليطلب منه الدعاء أو نحو ذلك، فهذه أنواع التوسل الجائزة، وينبغي للإنسان إذا توسل بأسماء الله أن يتوسل بها عموماً مثل: أسألك بكل اسمٍ هو لك، فأما إذا أراد أن يتوسل باسم خاص فليكن هذا الاسم مطابقاً للسؤال، فإذا كان يريد المغفرة فيقول: اللهم يا غفور اغفر لي، أو يقول: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، حتى تكون الوسيلة مطابقة للمطلوب. ولا يليق إطلاقاً أن يقول قائل: اللهم يا شديد العقاب اغفر لي واعف عني وما أشبه ذلك؛ لما في ذلك من التضاد بين الوسيلة والمطلوب. وقد قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) ، وهذا جمع بين وسائل متعددة: منها ذكر حال الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) ، ومنها: الثناء على الله عز وجل بصفة من صفاته: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) ، ومنها: التوسل بالأسماء في قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>