للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيمان من بغداد تقول هل عند قيام المسلم بالدعاء والسؤال من الله عز وجل وقوله مثلاً: اللهم اغفر لي بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل هذا حرام ويعاقب الله المؤمن عليه؟ مع شكري لأسرة البرنامج وللشيخ المجيب

فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن الدعاء من عبادة الله عز وجل، وإذا كان الدعاء من العبادة فإنه ليس لنا أن نحدث من وسائل الدعاء ما لم ترد به الشريعة، والتوسل إلى الله تبارك وتعالى حال الدعاء يكون بأمور: أولاً: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ لقوله: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ، مثل أن يقول الإنسان: اللهم يا رزاق ارزقني، ويا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ومثل أن يقول: أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، فيتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا مما جاءت به الشريعة. الوسيلة الثانية: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، كما ذكر الله تعالى عن أولي الألباب الذين يقولون: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) ، فإن الفاء هنا للسببية، تدل أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي: بسبب إيماننا بهذا المنادي فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. والوسيلة الثالثة: أن يتوسل الإنسان بحاجته إلى الله عز وجل، أي: بذكر حاله وفقره، كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ، فهذا خبر لكنه يتضمن الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حال الداعي، وتارة يكون التوسل إلى الله تعالى بكل هذه الأسباب، كما في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر يدعو به في صلاته: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) ، فإن هذا توسل إلى الله تعالى بذكر حال العبد: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) ، وبالثناء على الله تعالى بصفاته في قوله: (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ، وهذا من الإيمان بالله: (فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم) . هذه هي الوسائل الشرعية الصحيحة التي يتوسل بها المرء إلى الله تعالى لإجابة دعائه. أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه: فإن كان توسلاً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمتوسل فهذا لا بأس به، ولكن هذا لا يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قول عمر رضي الله عنه: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ، ثم يأمر العباس بن عبد المطلب فيدعو الله عز وجل، كما دخل الأعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم وقال: (اللهم أغثنا) ثلاث مرات، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، فهذا توسل بنفس الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو للمرء الذي توسل به إلى الله عز وجل. وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فهذا لا يجوز، ومنه أن يتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام فإن هذا من البدع، لم يرد عن الصحابة أنهم توسلوا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أن هذا مقتضى الأثر: ألا نتوسل بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم وروده، فكذلك أيضاً هو مقتضى النظر، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس من فعلنا حتى نتوسل به إلى الله، كالتوسل بإيماننا وعملنا، وليس هو أيضاً نافعاً لنا حتى نتوسل إلى الله تعالى به، فإن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ينتفع به الرسول صلى الله عليه وسلم وحده، فليس وسيلة لإجابة الدعاء. وإذا كان مقتضى الأثر والنظر ألا نتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول عليه الصلاة والسلام فلنتوسل إلى الله تعالى بما هو أحسن منه، وهو: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما حكى الله سبحانه وتعالى عن أولي الألباب، فهذه الطريق الواردة الحسنة القيمة- وهي: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم- ما لنا لا نسلكها؟ ما لنا نسلك طريقاً وهي محرمة وبدعة، وَنَدَعُ هذا الطريق؟ فمادام الله تعالى قد فتح لنا طرقاً مشروعة سليمة فلنكن من الذين يسلكونها، حتى نكون ممن قال الله تعالى عنهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) .

***

<<  <  ج: ص:  >  >>