للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد يقول لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي كان من الصالحين الأموات؟]

فأجاب رحمه الله تعالى: فإن سؤال الله سبحانه وتعالى ودعاءه بوسيلة من الوسائل لا يجوز إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعاً أنها وسيلة وذلك لأن الدعاء عبادة والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع فسؤال الله تبارك وتعالى بالوسيلة ينقسم إلى قسمين أحدهما أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع كالتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته مثل أن تقول اللهم يا غفور اغفر لي ويا رزاق ارزقني ويا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بإيمانه به وبرسله مثل أن يقول اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي كما حكى الله تبارك وتعالى عن أولي الألباب الذين يقولون (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) أو يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة كما في قول موسى عليه الصلاة والسلام (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة لورود الشرع بها وكذلك أيضاً من هذا القسم إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه كما فعل عمر رضي الله عنه حين استسقى فقال (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي إليك بعم نبينا) يعني العباس فقال للعباس ادع الله فقام فدعا القسم الثاني من الوسائل أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع فهذه لا يجوز أن يُدعى اللهُ بها لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله تبارك وتعالى ما لم يكن سبباً للوصول إليه وهذا يشبه الاستهزاء ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه مثل أن تأتي برجل من سوقة الناس وتقول اشفع لي عند الملك فإن هذا يعتبر كالاستهزاء به والسخرية كذلك إذا توسلت إلى الله تبارك وتعالى بما لم يكن سبباً فإنه كالاستهزاء به وبآياته تبارك وتعالى ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاهاً النبي صلى الله عليه وسلم وحرمته وما أشبه ذلك فإن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط أما غيره فإنه لا ينتفع به بمجرد أن للرسول صلى الله عليه وسلم جاه عند الله وحرمة هذا لا ينفعه ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلاً للرحمة والمغفرة بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة ما ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهه لم يجعله الله تبارك وتعالى وسيلة لإجابة الداعي وكذلك أيضاً هو في الحقيقة ليس وسيلة لأنه كما أسلفنا آنفاً لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه فحرمة الرسول عند الله ليست سبباً لقضاء حاجتك أنت, وما وجه السبب؟ السبب إما فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته والنبي عليه الصلاة والسلام ليس هو الذي يجيب حتى نقول إن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك فالرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول إن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>