للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.

فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا: ً كونها تنذر لله عز وجل ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر: (أن النذر لا يرد القضاء) . فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئاً وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله عز وجل، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله عز وجل- حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانياً: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي عليه الصلاة والسلام لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، والمسجد لم يبن على قبره، المسجد كان قديماً بناه الرسول عليه الصلاة والسلام من حين قدم المدينة مهاجراً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر فيه، وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه، فدخلت فيه بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من جملتها بيت عائشة، لكنه بيت مستقل، لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد، فهو حجرة في مسجد، قائمة قبل بناء المسجد-أعني: الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران، فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة، وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه، فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد، أو يبنى المسجد على القبر، وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقاً، وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم، وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله، هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال. أما المسألة الثالثة، وهي: أنها لا تعلم أن النذور التي نذرت قد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط, أكرر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . هكذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقاً بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلاً، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>