للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول السائل كيف نوفق بين قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) والآية الأخرى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهل الرواية التي عن ابن عباس رضي الله عنه في قراءة وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين واردة؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نوفق بين الآيتين اللتين أشار إليهما السائل وهي قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وبين قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) بأن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن الصيام أول ما فرض كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم ويفدي ثم أنزل الله تعالى الصيام عيناً وبقي الفداء لمن لا يستطيع الصيام على وجه مستمر فإن العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه يكون عليه بدلاً عن الصوم فدية طعام مسكين وأما ما أشار إليه السائل من قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فهذه لا أعلمها عن ابن عباس ولكنه قول لبعض المتأخرين وتفسير الآية به تفسير ضعيف جداً لأنه يقتضي تفسير الشيء المثبت بشيء منفي وهذا ضد التفسير تماماً وإنما جاء عن ابن عباس في الآية الكريمة وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين أي يبلغون طاقتهم فيشق عليهم ولكن الصحيح في الآية ما أشرنا إليه أولاً لصحة الحديث به وهو أنه كان الصوم حين فرض أولاًَ يخير فيه الإنسان بين أن يفدي وأن يصوم ويدل لذلك قوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وهذا دليل على أن الآية نزلت فيمن يستطيع الصوم فيخير بين أن يصوم ويفدي ثم تعين الصيام بعد ذلك خلاصة لما سبق يكون في الآية الكريمة ثلاثة أوجه الوجه الأول أنها فيمن يطيقون الصوم فلهم أن يصوموا ويفدوا ولكن الصوم خير لهم وهذا القول وهذا الوجه هو الصواب لدلالة الحديث الصحيح عليه والوجه الثاني أن معنى الآية وعلى الذين يطوِّقونه أي يبلغوا طاقتهم ويشق عليهم وهذا الوجه مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والوجه الثالث أن معنى الآية وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين وهذا الوجه قاله بعض المتأخرين وهو وجه ضعيف لا يتناسب وتفسير القرآن والوجه الأول هو الصحيح لثبوت الحديث به.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>