للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدّثنا أبو الخَطّاب أنّه يقال للرجل المداوِمِ على الشيء لا يفارِقه ولا يُقلِعُ عنه: قد أَلَبَّ فلانٌ على كذا وكذا. ويقال: قد أَسْعَدَ فلانٌ فلاناً على أمره وساعَدَه، فالإِلبابُ والمساعَدةُ دنو ومتابعة: إذا ألب على الشيء فهو لا يفارِقُه، وإذا أَسعده فقد تابَعَه. فكأَنّه إذا قال الرجلُ للرجل: يا فلانُ، فقال: لَبَّيك وسَعْدَيْك، فقد قال له: قُرْباً منك ومتابعة لك. فهذا تمثيل وإن كان لا يُستعمل فى الكلام، كما كان بَراءةَ الله تمثيلاً لسبحانَ اللهِ ولم يُستعمل.

وكذلك إذا قال: لَبَّيْك وسَعْدَيْك، يعنى بذلك الله عزّ وجلّ، فكأَنّه قال: أَىْ رب لا أنأى عنك في شيء تأمُرنى به. فإِذا فعَل ذلك فقد تقَرَّب إلى الله بَهواه.

وأمَّا قوله: وسَعْدَيْك فكأَنّه يقول: أنا متابعٌ أمرَك وأوْلياءَك، غيرُ مُخالِفٍ. فإِذا فعل ذلك فقد تابَعَ وطاوع وأطاع.

وإنّما حملَنا على تفسير لَبَّيْك وسَعْدَيْك لنوضِحَ به وجه نصبِهما؛ لأنَّهما ليسا بمنزلة سَقياً وحَمْداً وما أِشبه هذا. ألا ترى أنك تقول للسائل عن تفسير سَقيًا وحَمْداً: إنَّما هو سَقاك اللهُ سَقْيًا وأَحمدُ الله حَمْداً، وتقول: حَمْداً بدلٌ من أَحمدُ الله، وسَقيًا بدلٌ من سَقاك اللهُ. ولا تقدر أن تقولَ: أُلِبُّك لَبًّا وأُسْعِدك سَعْداً، ولا تقولُ: سَعْداً بدلٌ من أُسعِد، ولا لَبًّا بدلٌ من أُلِبُّ. فلمّا لم يَكُنْ ذاك فيه التمس له شيء من غير لفظه معناه كبراءةَ اللهِ، حين ذكرناها لنبيَّن معنى سُبْحانَ اللهِ. فالتَمستُ " ذلك " لَلبَّيْك وسَعْدَيْك واللفظ الذى أشتُقّا منه، إذ لم يكونا فيه بمنزلة الحَمْدِ والسَّقْى فى فعِلهما، ولا يَتصرَّفان تصرُّفَهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>