للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأَنَّ الّذين يقولون: صوتَ حمارٍ اختاروا هذا، كما اختاروا: ما أنت إلاَّ سيراً، إذْ لم يكن الآخر هو الأول، فحملوه على فِعلِه كراهةَ أن يَجعلوه من الاسم الذى ليس به، كما كرهوا أن يقولوا: ما أنت إلاّ سَيْرٌ إذا لم يكن الآخِرُ هو الأوّلَ. فحملوه على فعله، فصار له صوتٌ صوتَ حمارٍ يَنتصب على فعلٍ مضمَرٍ كانتصاب " تَضميرَك السَّابقَ " على الفعل المضمَر.

وإنْ قلت: له صوتٌ أَيَّما صوتٍ، أو مِثْلَ صوتِ الحمار، أو له صوتٌ صوتاً حَسَنًا، جاز. زعم ذلك الخليلُ رحمه الله. ويقوَّى ذلك أنّ يونس وعيسى جميعاً زعما أنَّ رؤبةَ كان يُنشِد هذا البيت نصباً:

فيها ازْدِهافٌ أَيَّما ازدِهافِ

يحمله على الفعل الذى يَنصب صوتَ حمار، لأنَّ ذلك الفعلَ لو ظَهَرَ نَصَبَ ما كان صفةً وما كان غيرَ صفة، لأنَّه ليس باسمٍ تُحْمَلُ عليه الصفاتُ. ألاَ ترى أنَّه لو قال: مِثلَ تضميرِك، أو مِثْلَ دأْبِ بِكارٍ، نَصَبَ. فلمَّا أَضمروه فيما يكون غيرَ الأوَّل أَضمروه أيضاً فيما يكون هو الأوّل، كأَنّه قال: تَزْدهف أَيَّما ازدهافٍ، ولكنَّه حذفه، لأنَّ له ازدهافٌ قد صار بدلاً من الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>