للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تكلّمُ به العرب، ولكن النحويين قاسوه.

وإنما قبُح عند العرب كراهيةَ أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب، ولكن تقول أعطاك إياى، وأعطاه إياى، فهذا كلام العرب. وجعلوا إيا تقع هذا الموقع إذ قبُح هذا عندهم كما قالوا: إياك رأيتُ، وإياى رأيت، إذ لم يجز لهم ني رأيتَ ولا كَ رأيتُ.

فإذا كان المفعولان اللذان تعدى إليهما فعل الفاعل مخاطَباً وغائبا، فبدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب، فإن علامة الغائب العلامةُ التي لا تقع موقعها إيا، وذلك قوله: أعطيتُكَه وقد أعطاكَه، وقال عز وجل: " فعُمّيَتْ عليكم أنُلزمُكموها وأنتم لها كارهون ". فهذا هكذا إذا بدأتَ بالمخاطَب قبل الغائب.

وإنما كان المخاطَب أولى بان يُبدأ به من قبل أن المخاطَب أقرب إلى المتكلم من الغائب، فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطَب، كان المخاطَب الذي هو أقرب من الغائب أولى بأن يُبدأ به من الغائب.

فإن بدأت بالغائب فقلت: أعطاهوكَ، فهو في القبح وأنه لا يجوز، بمنزلة الغائب والمخاطَب إذا بُدئ بهما قبل المتكلم، ولكنك إذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه إياك.

وأما قول النحويين: قد أعطاهوك وأعطاهوني، فإنما هو شيء قاسوه لم تكلم به العرب، ووضعوا الكلام في غير موضعه، وكان قياس هذا لو تُكلّم به كان هينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>