للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفتري محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وينحصر الكذب حصرا تاما في هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله، وكرر الله هذا المعنى وإلصاق صفة الكذب بأولئك المشركين، في قوله:

وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ إذ الصفة بالشيء أبلغ من الخبر به، لأن الصفة تقتضي الدوام أكثر مما يقتضيه الخبر، فبدأ الله في هذه الآية بالخبر، وهو افتراء الكذب في قوله: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ وإنما: حاصرة أبدا، ثم أكده بالصفة وهي ثبوت صفة الكذب للمشركين وملازمتها لهم.

وأما المؤمن فشأنه الصدق والبعد عن الكذب، وتأكد هذا تاريخيا، فحينما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن صفات النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، أجابه بأنه صدوق، وكان فيما قال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل:

فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل.

وأما الفئة الثانية في الآيات فهم المرتدّون، وهم الذين كفروا بعد الإيمان، وهؤلاء عليهم غضب من الله ولعنته وطردهم من رحمة الله، ولهم عذاب شديد في الآخرة، لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه، ولأنهم استحبوا وآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على الردة، ولم يثبتوا على الإيمان والدين الحق، فتسبّبوا في حجب قلوبهم عن هداية الله، والطبع أو الختم على أفئدتهم وصرفها عن طريق الهدى، بحيث لا ينفذ إليها نور الله، ووصفوا بصفة دائمة بأنهم الغافلون غفلة تامة بعيدة عما يراد بهم من سوء المصير، وكانوا من الذين لا يعقلون شيئا ينفعهم. وما أسوأ مصير الإنسان إذا انسدّت طرق الحواس لديه، فصارت لا تنفع في شيء، ولا اعتبار لديه ولا تأمّل، وكانوا حقا في الآخرة هم الخاسرين خسارة مطلقة.

والخلاصة: لقد حكم الله على المرتدين بستة أحكام: أنهم استوجبوا غضب الله، واستحقوا العذاب الأليم، واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، لأنهم قوم

<<  <  ج: ص:  >  >>