للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاذكر أيها الرسول للناس هول ذلك اليوم، حيث ينفخ إسرافيل في الصور: وهو القرن في قول الجمهور، فيعمّ الفزع الشديد جميع أهل السماوات والأرض، ويعقب الموت ذلك الفزع، بنفخة الصعق، إلا من شاء الله أن لا يفزع بأن ثبّت قلبه: وهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ملك الموت، وكل واحد من الخلائق يأتون إلى الموقف بين يدي الله للسؤال والحساب أذلّة صاغرين، صغار مهانة إن كانوا كفّارا، وصغار هيبة وخشية إن كانوا مؤمنين.

هذه، وهي نفخة الفزع، علامة ثانية ليوم القيامة، وهناك علامة ثالثة: وهي تسيير الجبال وإزالتها من أماكنها، فانظر أيها الرّائي الجبال تظنّها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تزول بسرعة فائقة عن أماكنها، وتسير كما يسير الغمام بتأثير الريح العاصفة، لأن حركتها الرتيبة لا تكاد تبين. إنه صنع الله وفعله بقدرته العظيمة الذي أحكم وأتقن صناعة كل شيء، وأودع فيه من الحكمة ما شاء، إنه سبحانه خبير بما تعملون من أعمال وما تقولون من أقوال، خيرها وشرّها، وسيجازيكم عليها خيرا أو شرّا، وهذه هي علة النفخ في الصور وإيجاد البعث للحساب والجزاء.

وحال الناس بعد وقوع القيامة صنفان:

- فمن جاء بالحسنة أي بالإيمان الصحيح بالله وحده لا شريك له، واقترن بإيمانه العمل الصالح الذي يرضي الله تعالى، فله على ذلك الثواب الجزيل عند ربّه في جنّات النعيم، بحيث يأمن من الفزع الأكبر، وهو الخوف من عذاب القيامة، كما جاء في آية أخرى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: ٢١/ ١٠٣] . فالحسنة: هي الإيمان، وهو النطق بكلمة (لا إله إلا الله) ويكون للمؤمن خير من هذه الحسنة: أي خير من قدرها أو استحقاقها، بمعنى أن الله تعالى تفضّل على المؤمن بما هو فوق ما تستحق حسنته، والمراد بالخيرية: مضاعفة الثواب ودوامه، فليس شيء خيرا من (لا إله إلا الله) .

<<  <  ج: ص:  >  >>